ليس جدياً تعظيم قبر الحسين أكثر من الكعبة ، وليس مستحدثاً الفتاوى التي أصدرتها المرجعيات بهذا الشأن، بل هو توجه سياسي تحكمه عقلية الحكم في الكيان الفارسي والتي تستمد رؤيتها من تعظيم القومية الفارسية التي هي أساس الصراع وما التشيع إلا وسيلة للوصول للغاية.
منذ عقود وفي التاريخ الحديث تحاول إيران بكل دهاء أن تكون طرفاً في حكم "مكة المكرمة" وسعت لهذا كثيراً وحاولت إثارة الفتن مراراً ، والفارسية بعقليتها الاقصائية والتوسعية ترى أن مركز الصراع وحسم المعركة سيكون في الجزيرة العربية وتحديداً في مكة فمن يحكمها يتحكم بناصية القرار في المنطقة تحديداً وبعموم التواجد الإسلامي دولياً.
فالفتنة الكبرى ستكون في مكة ويخطط لهذا الفارسي بحرص شديد، إلا أن القرار المفاجئ من قبل "خامئني" بعدم المشاركة بموسم الحج لهذا العام ودعوة أتباعه لعدم الحج والتوجه إلى قبر "الحسين" كبديل ديني وتوج هذا الخطاب والدعوة وبعدد هائل من الفتاوى التي تعظم زيارة قبر "الحسين" على زيارة الكعبة المشرفة.
القرار والتوجه والدعوة ليست رؤيا عقائدية بل قرار سياسي بتقسيم المنطقة والخلاف فقط حول سوريا ، قرار تقسيم من طرف واحد قد يكون وبالاتفاق من خلال وسطاء من الممكن .
للان لم تظهر أي بوادر عامة في الرؤيا الإستراتيجية الجديدة للكيان الفارسي.
تقسيم المنطقة يعني وقف الزحف الفارسي خارج المناطق المتفق عليها والتي تشكلت ملامحها حديثاً دون حسم لليمن وسوريا ، وهذا يعني أن الأحواز والعراق صارت ضمن حدود النفوذ الفارسي ، وما تدويل قضية سوريا إلا تمهيداً لإعادة بنائها ضمن خطة التفتيت الاجتماعي بصنع دوائر جغرافية مناطقية وطائفية تحت حكم مركزي ضعيف يكون فيه لزعامات وقيادات المناطق والطوائف نفوذ وقوة تتفوق على الحكم المركزي، مع التشديد على وقف نشاطات "حزب الله" في لبنان وان يكون طرفاً توافقياً في المشهد السياسي اللبناني الداخلي، و بذات السياق سيكون للمصالحة الوطنية في اليمن و وقف الاقتتال الحل المرضي للطرفين (الإيراني- السعودي).
تقسيم المنطقة يتجاوز جغرافيتها و التكوينات الاجتماعية بها ، تقسيم المنطقة ضمن الخطة الاستعمارية يرتكز أيضاً وأساساً على التقسيم الطائفي بشكله المطلق ، فنحن أمام تمهيد لتأطير قوتين "سنية مركزها السعودية ،، شيعية مركزها إيران" ، وهذا يعني تمهيد المنطقة إلى مرحلة الاقتتال الطائفي ليس ضمن دعم مليشيات تتقاتل بل التهيئة لتكوين دولتين متقاتلتين.
وستسعى كل دولة في الجانب المضاد لإيجاد موطئ قدم لها من خلال أنصارها العقائديين.
المستعمر يحدد شروط قيام الكتلتين وحجم قوتهما ونفوذهما ، وسيعمل على خلق فرص الاقتتال عندما يحن الوقت المناسب له، وكل ما يحدث في المنطقة من اقتتال ومواجهات لا يخرج من إطار تهيئة الأوضاع لخلق القوتين للاستفادة فترة من الزمن بحاجتهما للسلاح والسلطة المعرفية فيتمكن المستعمر من إفقارهما قبل الاصطدام في واقعة الفتنة الكبرى .
خلق دويلات في المنطقة تحت عنوان الحكم الذاتي أو بتوسيع ممالك قائمة جغرافياً هو ضمن الخطة العامة لبناء منصة مشاهدة ومراقبة وتحريك و من أجل تعكير صفو الركود السياسي، كلا القوتين تطمح بالانتصار الكبير ، والمواجهة ستكون أولى مراحلها اقتصادية وسيكون النفط سلعة المواجهة الأولى.
المنطقة عموماً يتم تهيئتها للفتنة الكبرى ، وما الخلاف اليوم بين القوى الشعبية إلا على الجزئيات والتي من شأنها أن ما تعاظمت أن تغير من مجرى الأحداث ومن إجبار المستعمر على التعديل بمخططه، فانتصار المقاومة في سوريا بمصالحة وطنية بين فئات المجتمع تحت عنوان محاكمة وطرد القتلة سيكون انتكاسة للرؤيا الاستعمارية ، وإعلان دولة ديمقراطية في الأحواز سيفشل المخطط.
على القوى الشعبية والحاكمية الرشيدة في أقطار الوطن العربي أن تعي تمام الوعي أن خروجها من منطق الاقتتال لن يكون إلا بالحكم الوطني الديمقراطي الذي لا يمكن أن يكون بدون إصلاح سياسي شامل.
الخطوة الرئيسية في المسار المضاد للمخطط الاستعماري تفتيت الكتلتين بإعلان الديمقراطية الحقيقية والاعتراف بدولة وطنية في الأحواز.