لا يبلغ الإنسان ذروة الكمال البشري في العزّة والشرف والحرية حتى يحقق عز العبودية لله وحدة ، وقد وصل إلى هذا الكمال أنبياء الله ورسله عليهم الصلاة والسلام ، وفي مقدمتهم نبيّنا محمَّدٌ - صلى الله عليه وسلم –
باعتبارها أرقى وأعظم وأشرف منزلة يرقى إليها الإنسان
عندما نقيس أحوال الدنيا على أحوال الآخرة، فإننا نعيش في أفق ضيق ومجال محدود، لأن عقولنا الصغيرة وإمكانياتنا المحدودة التي وهبها الله لنا لا تسمح بمثل هذه التصورات ، لأنهم يقيسون بمقاييسهم المحدودة، فعقولنا ضعيفة خلقها الله وهو أعلم بها فقال: (وما أوتيتم من العلم إلا قليلاً)
من خلال ما سبق هل لنا أن نتصور بأفهامنا القاصرة أن هناك ذلاً يثمر عزة وفقراً يثمر غنى؟ بالتأكيد أن في تعاملاتنا البشرية هذا لا يتصور؟ أما في تعاملنا مع ربنا وخالقنا الواحد الأحد فالحديث يتغير ونعيش مع القدرة الإلهية مسلمين لها مؤمنين بها عالمين ومعترفين بضعفنا ؛ إن الغني أيها الإخوة عند الله هو العبد المفتقر بين يديه، العبد الذي أظهر فقره ومسكنته وحاجته لله عز وجل فقط وليس لاشخاص يتحقق من خلالهم مكسب ما , وأن لا يملك شيئاً حتى نفسه التي بين جنبيه – فكل شيئ عنده هو ملك لله فهو الغني سبحانه وغيره فقير.
يخاطب الله الناس أجمعين في كتابه الكريم فيقول جلت قدرته: " يا أيها الناس أنتم الفقراء إلى الله والله هو الغني الحميد". إن في هذا الفقر الذي يظهره العبد غناه . وإن العزيز عند الله أيها الإخوة هو الذليل المنكسر المنطرح بين يدي خالقه والمنعم عليه والمتفضل عليه بالنعم الواسعة ، فهو يستشعر عزة الله فيعلم بذله وحاجته الشديدة إلى عفو الله ومغفرته، من الواجب علينا أن نعلم حق الله علينا ولا نكتف بالبحث عن حقنا على الله.
يقول ابن القيم - " فمن أنفع ما للقلب النظر في حق الله على العبد، فإن ذلك يورثه مقت نفسه ، ويخلصه من العجب ورؤية العمل، ويفتح له باب الخضوع والذل والانكسار بين يدي الله واليأس من نفسه، وأن النجاة لا تحصل له إلا بعفو الله ومغفرته ورحمته... ".
وقد بين ذلك عليه الصلاة والسلام بقوله : ( ليس الغنى عن كثرة العرَض ، ولكن الغنى غنى النفس ) كما في البخاري ، وقال لأبي ذر : ( أترى أن كثرة المال هو الغنى ؟! إنما الغنى غنى القلب ، والفقر فقر القلب ، من كان الغنى في قلبه فلا يضره ما لقي من الدنيا ، ومن كان الفقر في قلبه فلا يغنيه ما أكثر له في الدنيا ، وإنما يضر نفسه شحها ) . وكم من غني عنده ما يكفيه وأهله عشرات السنين ، ومع ذلك لا يزال حريصاً على الدنيا ، يخاطر بدينه وصحته واخلاقة ، ويضحي بوقته وجهده ، وكم من فقير يرى أنه أغنى الناس ، مع أنه قد لا يجد قوت غده ، فالقضية إذاً متعلقة بالقلوب وليست بما في الأيدي . ولكننا هذه الايام ونحن نرى نوع وحجم التنافس الانتخابي والعشائري واساليب التاثير لصالح بعض المرشحين والتي منها ما لا ينسجم مع الاخلاق ولا مع الدين نرى ان الفقر والعزة ليس من اصحابها من يقومون بادوار الزيف والخداع وانتحال الشخصيات حتى الدينيه منها للوصول الى مكاسب دنيويه هي ابعد ما تكون عن ارضاء الله والخلق الطيب .
علي يوسف المومني aliyos6@yahoo.com