أعرف ناهض منذ خمسة عشر عاماً، كنت أتابع مقالاته في الصحف اليومية، أقرأها وأعلق عليها من خلال اتصال تلفوني معه، وأحياناً كنت أرد على مقاله بمقال، الى أن توطدت علاقتي به عام 2007 واستمرت عدة سنوات ما بين لقاءات عامة، واتصالات تلفونية.
اتصل بي ذات صباح، وكان يعمل مديراً للدائرة الثقافية في البنك الأهلي، وقال لي بالحرف: (بدي اياك ضروري)، فأخبرته بأنني سأكون في مكتبه صباح اليوم التالي.
ذهبت لمقابلته، وكان مسروراً جداً لرؤيتي، قال لي بأسلوب كله دعابة كعادته؛ طلبت لك فنجان قهوة، وأرجوك ولع سيجارة ودخنها مشان نقدر نتفاهم مع بعض، وأنا كنت مدمناً على التدخين في ذلك الوقت.
أخبرني بأسلوبه الجميل وقال: نريد أن نؤلف كتاباً عن ثقافة الطبخ، ونقدمه هدية لجلالة الملك نوثق فيه الطعام الأردني القديم... وسكت قليلاً، واستدرك؛ قال: هل تقترح عنوان للكتاب، فقلت له، يا أخي؛ عندما ينتهي الكتاب يمكننا أن نطلق عليه عنوان مناسب. لنبدأ أولاً بجمع المعلومات عن الأكلات الأردنية القديمة، وبعدها لكل حادث حديث.
قال لي ناهض؛ ما رأيك بعنوان: الحكي ع العوس، وقالها بلهجة فلاحية (الحchي). بصراحة كان المصطلح غريب إذ لم أسمعه إلا من ناهض تحديداً، وسألته فوراً ما الذي تعنيه بكلمة العوس، فقال لي إنها كلمة تعني الطبخ.
اتفقنا على أن أمثل منطقة الشمال؛ إربد، وعجلون، وجرش، والرمثا، وبني كنانة، وبني عبيد، والوسطية، والأغوار الشمالية، وهناك من يمثل الوسط ومن يمثل الجنوب، وأخبرني بضرورة تشكيل فريق عمل للبدء فوراً بجمع المعلومات وشرح تفصيلي عن كل طبخة من الطبخات القديمة، وتوثيق ذلك بالفيديو والصور، وأن أسجل المصاريف خلال فترة العمل، وتوثيقها بالفواتير من أجل صرف مكافئة بعد انتهاء المشروع وتسليمه للدائرة الثقافية.
كنا نلتقي كل أسبوع مرة واحدة من أجل تقييم التجربة، وكنت أخبره عن بعض النوادر التي كانت تواجهني أنا وفريق العمل، وقال لي ذات يوم يجب أن نذهب الى منطقة حور المشهورة في الطبخ القديم، وتناول المكمورة، ومعروف عن أهل منطقة حور بأنهم أفضل من طبخ المكمورة في الشمال كله.
ناهض حتر كاتب لا يشق له غبار، وهو من الكتاب الذين يعدون على الأصابع في وطننا، يعشق الأردن حد الثمالة، ولا يساوم على مبدأ، أو رأي، أو قرار اتخذه حتى لو كان فيه هلاكه.
التقينا عند ضريح الشهيد وصفي التل، كانت له صولات وجولات، وكلمات معبرة ومؤثرة بحق شهيد الوطن، لقد ألف كتاب عن وصفي التل أبدع فيه كعادته في أسلوبه السهل الممتنع. كان يصف الشهيد بأنه الرجل الذي أنبتته الأرض، وهو أبو الفقراء، وأمير المساكين، ورجل الدولة، وصاحب الولاية العامة، وأيقونة الوطن والأمة.
ناهض قُتل ظلماً فالرجل لا يوظف الدين لخدمة أغراض سياسية، أو من أجل الشهرة، لقد حاول إيصال رسالة مهمة الى المسلمين وغير المسلمين بأن المتطرفين يتخذون من العمليات التفجيرية التي يقوم بها بعض المغسولة أدمغتهم؛ هدفاً لتقويض دعائم الإسلام المعتدل، والخوارج الذين يتحدث عنهم الملك هم الذين أساءوا للعرب والمسلمين في العالم، وأن التطرف لا بد وأن ينهزم في نهاية المطاف، لكن بعد أن يحصد الكثير من أرواح البشر.