خلق الله تعالى أبانا آدم عليه السلام وجعل عمره طويلاً نسبياً قياساً إلى أعمارنا الحالية فقد كاد يقارب الأعوامَ الألف ، من أجل أن يتمكن من عمارة الأرض بزيادة التناسل والتكاثر لسنواتٍ طوال . وكلما زاد تكاثر بنو آدم نقصت أعمارهم الفعلية تدريجياً حتى جاءت أمة محمد عليه السلام ، فقال رسولنا الكريم : \" أعمار أمتي ما بين الستين والسبعين \" وهذا معدل حياتنا حالياً !!
ومع هذا لو قرأتَ صفحة الوفيات أو أسماء المتوفين في أيّ من المواقع الإلكترونية لوجدت زيادةً مضطردة في أسماء الوفيات من شبابنا الذين لم يتجاوزوا الأربعين أو الخمسين بحدّ أقصى ، فما السبب الرئيس في نقصان أعمار شبابنا ( فيما عدا بلوغ الأجل الذي كتبه الله لنا ) ؟؟
تطورّت البشرية وزادت الضغوطات وكمية الأمور التي تطلب من كل إنسان في زماننا ، إضافةً لتغيّر القيمة الغذائية لمعظم محاصيلنا الزراعية واعتمادنا على الأغذية الجاهزة والمعلبة والمحفوظة ، واختلاف توجهاتنا البيئية والفكرية والتي سبّبت لنا تغيّرات جذرية في بنية حياتنا ، إضافة للتلوث والضجيج ، مما زاد تعــرّض الناس للأمراض المستحدثة التي لم تكن معروفة أو منتشرة في الأزمان الماضية ، إضافة لعودة الكثير من الأوبئة القديمة بسبب قلة الماء والنظافة وشدة الفقر، واختفاء البركة من الرزق والعمر والأبناء ، فأصبح ربّ الأسرة مضطراً للعمل لمدةٍ أطول ، وبراحةٍ لا تُذكر وبدخلٍ أقلّ وضغوطاتٍ ومطالباتٍ أكبر على عاتقه ، وبغذاءٍ أقل جودة وتنوعاً ، مما يقلل مناعة أجسامنا ومقاومتها للأمراض الدخيلة ، وتعرُّضِنا لكثير من الإشعاعات والذبذبات الضارّة الصادرة عن معظم الأجهزة الكهربائية والإلكترونية والخلوية التي نضطر لاستخدامها يومياً ، إضافةً لكبت الكثير من مشاعر الغضب والألم والتردد والقلق والحيرة وقلة الحيلة في أعماقنا ..
كل هذه الأمور لا بدّ أن تكون لها – مجتمعةً – نتيجةٌ سلبيةٌ خطِرةٌ على شبابنا ، وخاصة أن أغلبنا لا يقوم بفحص نفسه لو شعر بآلام ٍ بسيطةٍ ، بل يمتنع عن زيارة أيّ طبيب إلا إن شعر أنه على وشك الموت ، بسبب ارتفاع كشفيّات الأطباء المختصين ،وعدم جدوى زيارة الطبيب العام عادةً في معرفةِ أسباب الألم الحقيقية والاكتفاء بمسكّنات عامة ، تُسكّن الألم لبعض الوقت ، فيما تتفاقم الأمراض الصامتة كوحوشٍ تتغلغل بداخلنا غَدْراً ، ولهذا تسمى مثل هذه الأمراض أمراض الفقر..
وفي لحظةِ غفلةٍ قاسيةٍ ، نتفاجأ بالطبيب يقول لأحدهم : \" لقد أُصبتَ بمرض السّكريّ ( أو ضغط الدم المرتفع ، أو لديك بوادر ذبحة صدرية أو جلطة قلبية أو .. ) وهذه أمراض عليك التعايش معها ، فهي لن تفارقك !! \" وكلما أطعتَ أوامر الطبيب وتجنّبت ما يمنعك عنه من أطعمة وأفعال ، وفعلت ما يسمح لك به وراعيت مرضك ، عندها يمكنك التأقلم معه والاعتياد على وجوده شريكاً في حياتك بحيث تخفّف أذاه بضبط أسبابه !!
وإن كابرتَ وتجاهلتَ هذا العدوّ الرابض في جسدك فإنه لن يتوانى عن نهشك وتدميرك ، فلا ينفع عنادك معه ولا تجاهلك له ، وعندها ستسقط – لا قدّر الله – صريعاً لهذه الأمراض الصامتة القاتلة ، وهذا ما يتجاهله معظم الشباب المصابون مما يكون له أسوأ العواقب !!
رسولنا الكريم عليه السلام قال : \" المؤمنُ القويّ خيرٌ من المؤمن الضعيف \" ولهذا علينا ألا ندفن رؤوسنا في الرمال ونقول : \" الأعمار بيد الله \" و \" إذا جاء أجلهم لا يستأخرون ساعةً ولا يستقدمون \" نعم هذا صحيح ولكن ربنا تبارك وتعالى طلب منا أن نعقل ونتوكل ، وأن نتداوى من كل داء ، وندعوه ونرجو منه الشفاء ، وليس هذا قلّّة إيمان بأن اللهَ تعالى بيده أعمارُنا ، فلنفعل ما علينا ولنترك ما لا نعلم بيد الله ، فأجسادنا أمانةٌ معنا علينا حفظها حتى يستردها صاحبها ذو الجلال والإكرام ، ودعوة للجميع ، لنحاول ألا نغضب وأن نقنع بما قسم اللهُ لنا وأن نسأله وحدَهُ الرزقَ والسّعةَ في العيش ، وأن نكونَ أمّة ً وسطاً في أمورنا كلها ، بهذا فقط نخفف من الضغوط على أجسادنا ونبعد عنها الأمراض ! حفظكم الله جميعاً ودمتم بخير .
نادية عبد القادر
nasamat_n@yahoo.com