مساءً .. وبعد عودتي من عملي لبيتي وأسرتي ، أبحث عن بعضاً من الوقت ، وبعضاًمن الإسترخاء من العمل بين أبنائي ، الذين سرقتني ظروف العمل قليلاً عنهم ، وباتت مشاهدتي لهم والجلوس الحميمي بينهم يقتصرعلى أيام العطل الأسبوعية والأعياد الدينية، نتيجة ظروف العمل وروتينها المملالذي سرق منا كل شيء حتى حنوّنا على أبناءنا ..!!
متأخراً من الليل .. وإذ بهاتفي الجوال يقطع جلستي التي انتظرها بين أبنائي ، ليوقظ مضجعي ، ويتسلل التوتر لداخلي هلعاً من رنينه المشؤوم في منتصف الليل ، هذا التوقيت الذي لا يصحُ فيه إلاّ من لزم عملهم ذلك ، أو من ينامون نهاراً ويصحون ليلاً ، أو كهؤلاء الذين يطلق عليهم \" بالسهيرة \" الذين ينامون متأخرين من الليل ويصحون متأخرين من النهار ..!!
هاتف منتصف الليل يرعب الكثيرين ، كباراً وصغاراً ، وكما عُرف عنه في مضى من أيامنا ، أنه لم يأتي أبداً بأخبارٍ سارّه إلاّ ما ندر ، بل معظمها مصائب ومواقف شؤم .. تفزعنا كلما رنّ جرس هاتفنا في هذا التوقيت من الليل ، وتجدنا مباشرة وبحالة اللا شعور نقول \" يا ساتر \" ، وهذا دلالة على أنها مخيفة وغير مرغوب فيها ..!!
سردي هذا لم آتي به من فراغ .. بالأمس وفي ساعة متأخرة من الليل بحدود الحادية عشرة ، وكوني على أهبة الاستعداد دائماً لأي هاتف قد ياتي من والدتي \" شفاها الله وحَفِظها \" أُبْقي هاتفي قريباً مني ، رنّ هاتفي الجوال فظهر على شاشة الهاتف رقماً ليس بقائمتي ، فلم اردّ عليه ، فعاود الاتصال مرة أخرى ، فلم أردّ ، وفي الثالثة اضطررت للرد عليه كنوع من التخلص من الزيادة في ازعاجي ، وإذ بأحد مديري الحملة الانتخابية لأحد المرشحين لمجلس النواب السادس عشر ، وكان لي علاقة زمالة بهذا الشخص قبل ما يزيد عن عشرين عاماً ، أيام دراستي في الجامعة ، يطلب الاذن بزيارة خاطفةلبيتي بقوله \" بدنا عشرة دقائق من وقتك \"من أجل أحد المرشحين في دائرتي يهمه أمره، وتقديراً لهذا الزميل الذي أحرجني ولم ينحرج هو من ازعاجي في هذا الوقت ، اضطررت لقبول زيارتهم \" بأهلاً وسهلاً والبيت بيتكم \" ثم قال ربع ساعة سنكون عندك ، والربع ساعة أصبحت ساعة حتى شرفوا ..!!
بطبيعة الحال لسنا ممن يغلقون الأبواب في وجه الضيوف ، وبدون اعتذار عن التأخير أو عن الازعاج في هذا الوقت دخلوا وجلسوا ، وبإيحاء المستعجل من المرشح ، بدأبعد الترحيب بسرد بيانه الانتخابي بصورة ارتجالية بدايةً ، ومن ثم قدم لنا نسخاً من \" بروشوره الانتخابي المكتوب \" حتى نتمكن من قراءته بتأني ، ومن خلال تجاربنا السابقة مع المرشحين ، كان البيان الانتخابي لهذا المرشح عبارة عن copy / paste لا أكثر عما قبلة للدورات الماضية ، ومليئ بكلمة \" سأعمل \" و \" بوّعدكوا \" إلى آخر هذه الديباجات \" المحروقة \" ، بالتالي الجلسة التي كان عنوانها \" عشرة دقائق من وقتك \"أصبحت بقدرة قادر \" ساعة ونصف من راحتي \" ..!!
يا \" هلترى \" هذا المرشح إذا وصل إلى كرسي البرلمان وأصبح نائباً ، وكان لي به حاجة ، هل سيعطيني من وقته وراحته ، كما أخذ مني وقتي وراحتي عند حاجته لي ..؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟؟ باعتقادي لا ولن .. لأنه سيكون قد خلع ثوب المواطن العادي من داخله ، واستبدله بثوب المسؤول المتجبر ..!!!
akoursalem@yahoo.com م . سالم أحمد عكور