وطن نعيش فيه يجب أن نحميه, شعار قرأته في الإنتخابات ،، الفارطة ،، أي الماضية في لهجة الأشقاء في تونس الخضراء. وقرأته بعد لويحظات من انطلاق سباق اليافطات الإنتخابية في شوارع مملكتنا الحبيبة في هذه الانتخابات.
في تمام الثانية عشرة مساء السبت او صباح الأحد, ثبتت الرؤية, وانطلقت شارة البدء, فجمحت الخيل من بوكساتها القانونية, ونصبت السلالم بعد الصواوين, وشدت اليافطات من يمين الشوارع الى شمالها, أو العكس. وارتفعت فوق رؤوسنا الصور وبواسم الثغور. وسيل كثيف هادر من الكلم المكرور, التي طالما حفظناه عن ظهر قلب.
في عصر الإنتخابات الفارطة, كنت في إجازة الصيف من بلاد الاغتراب, وكان لي شرف الإطلاع على فكر مرشحينا الذين انفرط مجلسهم لعدم الكفاءة, او لنقل بسبب شعار, نجح لكثرة الرسوب, أو بسبب, الغش في امتحانات الانتخابات, أو لأي سبب آخر. المهم انعقد المجلس وانفرط المجلس, ويعاد الآن تشكيل المجلس.
لا بد أعزائي القراء أنكم توافقونا على أن هذه هي الصورة السائدة لدينا الآن.
الشعار أعلاه, وطن نعيش فيه يجب أن نحميه, شعار جميل أعجبني, ولكنه لم يعجب الوطن, والأولى أن ترضي الشعارات وتوابعها, الوطن وليس المواطن. أما أن يكون العكس هو الصحيح هنا, فهذا يعني أن مرشحينا هم نواب مواطن وليسوا نواب وطن. وهنا تكمن العلة.
وفي البداية وللموضوعية, لم يعلق في ذهني اسم صاحب هذا الشعار, فليس من مواهبي القوية أن أحفظ الأسماء وأنبهر بالوعود, ولذا لا استطيع تأكيد أو نفي ما اذا كان صاحب الشعار هذه المرة, هو نفسه في المرات الفارطة.
يقول المرشح الكريم, وطن نعيش فيه, ولم يقل وطن يعيش فينا. وشتان بين هذه وتلك, وما أوسع البون بينهما. والأولى وأكثر ضرورة أن يعيش الوطن فينا قبل أن نعيش فيه, ونعمل له قبل أن ننتظر منه, ونضحي من أجله قبل أن يتدمر من أجلنا, ونعطيه ونرعاه قبل ان نحلبه ونجفف ضرعه دونما رحمة او شفقة.
الأردني مشهور في بلاد الله بأنه عبوس متجهم ،، ولا يضحك وجهه للرغيف الساخن ،، أما يافطات الانتخابات فوق رؤوسنا, فتنفي هذا القول, وتطل علينا منها ثغور باسمة, وانفراج عريض لشفتي المرشح عن أسنان بيضاء ناصعة حتى تبين النواجذ, وكأن أصحابنا اولئك يعملون لحساب سلعة من سلع تبييض الأسنان او صحة اللثة. يبتسمون حتى القهقة. ولا ندري والله ان كانوا يضحكون معنا أو يضحكون علينا. هندامهم في الصور, ما شاء الله, بحاجة لخرزة زرقاء. وأكثرهم لا يحاكي واقعهم صورهم. أوليس هذا نفاق سياسي وتحايل على الوطن والناخب؟ تعطيل حركة السير لشد اليوافط ونصب الصواوين وحلب الشبكة الوطنية للكهرباء على حساب المواطنين الغلابى, أوليس نفاقا سياسيا وتحايلا على الوطن والناخب؟ استغلال المتعهدون من النواب لمواقعهم وعلاقاتهم تحت القبة, وما أكثرهم, من أجل الإستئثار بكعكة المشاريع الوطنية على حساب مهمتهم الحقيقية لخدمة الوطن والمواطن ومراقبة عمل الحكومات, أوليس نفاقا سياسيا وتحايلا على الوطن والناخب واستغلالا للوظيفة العامة؟ قولة أحد مرشحينا أن الوحدات جزء محرر من فلسطين, وقبول ترشحه رسميا بعد هذه الكبيرة الموبقة, أوليس نفاقا سياسيا وتحايلا وتدليسا ووقاحة بحق الوطن والمواطن؟ هدر الطاقات على الشوارع ومن خلال السواقة المتهورة والاستهتار, وتكديس السلاح الغير مقونن, وقتل الروح التي حرم الله في خلافاتنا وعصبيتنا, وفي أعراسنا ومناسبات فرحنا, والعودة الى عصور الجاهلية ووأد البنات في القرن الحادي والعشرين, أهذه كلها عيش لنا في الوطن ام عيش له بنا؟ خرق القانون والاعتداء على المال العام والفساد بكافة صوره وأمثلته, أوليس نفاقا سياسيا وتكسبا على حساب الوطن دون وجه حق؟ الأزمة الخانقه على محلات الكنافة وارتفاع كميات الجميد المستوردة من أجل مناسف المرشحين وعلى مبدأ, اطعم الثم بتستحي العين, أوليس نفاقا سياسيا وشراء للذمم والأصوات على حساب الوطن والناخب والمصلحة العامة؟ إسهال الوعود الشديد للناخبين بوظائف عامة ومقاعد جامعات وبعثات وغيرها, أوليس نفاقا سياسيا وضحكا على الذقون واستغلالا لحاجة المواطنين الغلابى لمصالح شخصية ووصولية ممجوجة للسيدات والسادة مشاريع النواب؟
على فكرة, الشعار الذي تناولته في ما سلف, ليس الا مثلا ينطبق على باقي الشعارات والوعود السراب التي لن تروي عطشنا ولن تخدم واقعنا. فقاعات الصابون هذه ستذهب مع الريح, وسوف يحنث السادة بأيمانهم وعهودهم, ومنهم من سوف يغير رقم هاتفه بعد الفوز المؤزر إن أتى, وبعد أن يصبح نائبا بحصانة كان للتو مشروع نائب مستجديا لصوت الصغير والكبير.
حضرات المرشحات, حضرات المرشحين الأكارم,
بالله عليكم, إياكم والإسراف بالوعود, وإياكم ونقض العهود, ولتتحرزوا من الأيام والليالي السود.
بالله عليكم دعونا نحس ونلمس أن الوطن يعيش فيكم ولا تتركوه معاشا ومرتعا لكم.
بالله عليكم, احموا الوطن الذي تعيشون به حقا ولا تصنعوا منه شعارا يحميكم هو ويخدم مصالحكم الشخصية.
بالله عليكم, اجعلوا من شعاراتكم مناهج عمل حقيقية لكم, وخارطة طريق فعلية تنفذونها خدمة لوطن تعيشون به ودفاعا عنه, ومواطن وضع ثقته بكم او اشتريتموها منه.
خدمة الوطن شرف وعبادة, وأمانة سيسألكم المواطن وربه عنها, فأدوا الأمانة كما يجب, وكونوا على قدر أهل المسؤولية والعزم.
ولا تبصموا على مضبطة الوطن البديل, ولو ضحيتم بمليون قتيل.
جمال الدويري