في الحقيقية التي لا يمكن التغاضي عنها أن لا ملوك عند العرب ، والملك ليس الوريث للعرش بل من كان "عامود البيت"، رحل كل الملوك والشيوخ، و أصبحت الأمة في دوامة من الضياع وأصبحنا نأكل بذاتنا بلا مبرر سوى هوس البقاء المصحوب برغبة الفزع من ظل شيء وأي شيء.
الحراك الوطني يؤسس للوحدة فلا وحدة بدون طموح وطني و الثقافة الوطنية الوحدوية جزء أساس من مشروع الأمة ، والأمة بدون هوية وطنية أو مشروع نهضة.
غياب العلم بسلطتيه المعرفية، يؤدي بنا إلى التراجع وليس الثبات وهذه المشكلة التي نعاني.
تغيب الأمة اليوم عن الحراك الدولي الذي يتقاسم و يعيد رسم الخارطة الجغرافية الاجتماعية، ولا يوجد امة في التاريخ تعرضت للتقسيم الجغرافي و الاجتماعي كما يحدث للأمة العربية ومنذ نشأتها الأولى و لليوم وهي في مطلع كل قرن وهي صيغة مبالغة تتعرض إما للتقسيم الجغرافي أو الاجتماعي و في الحالتين هي اضعف من أن ترفض ا وان تكون شريكاً، هي بأقصى حدود الفهم كالكلب الذي يعض ذيله غباءً.
يغيب مشروع النهضة العام ومع وجود المثقفين والمناضلين الذين حاولوا مراراً أن يؤسسوا لانطلاقة المشروع شعبياً إلا أن العقل الاستعماري بمساعدة أدواته استطاع أن يفشل المحاولة بل استطاع أن يسيطر على العقل الجمعي في المجتمع وحوله لعقل مرعوب يتأثر و لا يؤثر.
و مما أصبح خطراً هو البوابة الأخيرة للبدء بالتقسيم الاجتماعي هو خلق مجاميع تعصب مذهبي وعقائدي و أحياناً مناطقي، و الانقسام يدور حول التعصب الأعمى بكل إشكاله و أنواعه ابتداءً من التعصب المذهبي للدين أو النقيض من ليبرالية تستخدم غطاء للإلحاد، فدعاة الدولة المدنية هاجموا الاعتقاد الديني بجوهره ظناً منهم أنهم بهذا يؤسسون لمشروعهم ، ودعاة الدولة الدينية وضعوا شرط الإقصاء لمن خالفهم للبدء بمشروعهم ، وفي الحالتين أصاب العمى المشروعين و دون دراية من الأتباع يتحولون لوقود فتنة الاقتتال والتقسيم بين المذاهب الدينية وبين مجموع المذاهب و الاعتقاد الفكري .
المنطقة العربية بعمومها محتقنة وجاهزة للاقتتال بين أتباع المذاهب أولاً وبين المذهب و دعاة "المدنية"، وبين المذاهب جميعاً ضد أي مشروع مخالف، ودعاة "المدنية" يرون أن الإقصاء أيضاً منهج سياسي يتمسكون به.
لا تحتاج الأمة إلى أبطال خارقين للخروج من أزمتها ، لا تحتاج اجتهادات فكرية تبنى على الرغبة بتسيير المجموع ضمن رؤية الفرد.
تحتاج الأمة إلى علمائها أولاً تحتاج إلى مثقفيها، ليكونوا بمجموعهم بوصلة تحرك الجماهير وضمير العقل الجمعي ، والأصل في البداية فهم أن الصراع بين التيارات جميعاً هو صراع تاريخي أخذ الشكل الدموي حديثاً ونتحدث عن عقود فقط، وهذا الشكل الدموي وجب إعادته إلى أصله بأن الصراع مع أعداء الأمة يجابهه بالمشروع القومي الوحدوي الذي يؤمن أن الإسلام سلوك حياة و مخزون معرفي للحضارة العربية و ليس أكثر من هذا.
تحتاج الأمة بنخبها أن تعيد دراسة كتب التراث الإسلامي و أن ترى أين مواضع الخلل و في عهد من و تقوم بالحذف و التصحيح وإعادة التأهيل لكتب التراث بما يتلاءم مع القران الكريم والسنة الطاهرة ، فكثير من الخرافات التي ارتبطت بالقرار السياسي تم إسقاطها وتحولها لجزء من العقيدة بالتقادم نتيجة رؤيا الحاكم وتثبيت حكمه وترجيح رأيه، أو تم إدخالها بفعل تأمر فئة لغايات استعمارية وتمكن.
وبفهم الدولة الليبرالية و النظام الوطني والرؤيا الوحدوية وجب على النخب إعادة تقيم ما كان و وضع برنامج ما يكون، فالأمة العربية ومنذ ولادة دويلاتها بقرار استعماري لم تتمتع بأي وقت بنظام ديمقراطي حقيقي، فالديمقراطية بالوطني العربي ارتبطت أما بالتوافق بين طوائف و مذاهب ، أو لرؤيا الحاكم أو الحزب.
و استطاع حكام العرب أن يضيفوا لعلم السياسية مذهب حكم جديد تحت اسم "الدكتاتورية الناعمة" وهي التي تمارس سلوكاً ديمقراطي يتوافق مع رؤية العرش الحاكم و يرفض قطعاً كل من خالفه أو أحتج عليه وحتى لو كان الاحتجاج على أساسيات معيشية لا علاقة لها بأي طموح سياسي.
ولن نغفل عن ذكر أن جميع حكام العرب اتفقوا بأسلوب الحكم بإطلاق يد الجهاز الأمني في كل مفاصل الحياة اليومية ، وهذا عنوان الدكتاتورية التي تحكم بالبطش و الإقصاء، وبما أن الجهاز الأمني العربي درب و طور أساليب القمع ، صار يتلاعب بالقوانين ويعيد صياغتها و كتابتها كلما احتاج لهذا دون مرجعية دستورية واضحة، وبنفس الوقت يرهب من يقف ضد غايته التي تختصر بالقول "المواطن الصامت بالرضا عما كان، يتمتع بالأمن والحياة الهادئة" فالمواطن المثالي هو الهاتف بطول العمر للحاكم و غير المعترض.
فالنخب تحتاج إلى تطوير الفهم الوطني ليتلاءم طرحاً وسلوكاً مع الفكر الوحدوي الذي هو الخلاص لكل الأمراض الظلامية من جهل و تعصب التي نعيش و تستخدم ضدنا من قبل المستعمر.
وعلى حركة المقاومة العربية أن تعي أن تحرك النخب لن يكون الحل النهائي إذا هي ما فهمت موقع عقدة الصراع ومنها بدأت لتكون نداً للمشروع الاستعماري المتحالف.
بلا شك أن فلسطين مشروع مقاومة بعنوان محدد بربط غير ظاهر للعامة مع عموم المشروع الذي يظهر جلياً في سوريا و بوابته العراق.
في العراق مقاومة شعبية بجزأين ليبرالي مدني يأخذ شكل الاحتجاج اليومي بالتظاهر والاعتصام وكشف عورة الفساد ، و شكل أخر مقاوم مسلح في السنوات الأخيرة أخذ شكل المذهبية ، وهذا جاء كرد شعبي عفوي على سلوك المحتل الفارسي.
و دون القفز عن سوريا التي حاول المشروع الاستعماري المتحالف أن يصنع منها ارض خصبة للخصام والاقتتال المذهبي والطائفي وفي مكاناً ما نجح المشروع الدولي من تحويل الثورة في سوريا إلى عنوان مذهبي و طائفي.
أدواة المشروع الاستعماري المتحالف تتكون من أجهزة أمنية و حكام "عروش – ملكية و جمهورية" و تنظيمات ، تستخدم جميعها في تهيئة الأرض و العقل الجمعي لاعتبار أن حلول المستعمر هي فقط المنقذ.
عقدة الصراع هي الاقتتال المذهبي و حاجة المستعمر لتأجيج هذا الاقتتال ليتسنى له ترويج مشروع التقسيم الاجتماعي كحل وحيد لحقن الدماء وإعادة بناء المجتمع الذي يريد، و المشروع الاستعماري المتحالف لا يعتبر نهائياً الكيان الفارسي جزء منه بل هي أداة لها النصيب الأكبر من التحريك، وتتوافق رؤيا المشروع الفارسي مع المشروع الاستعماري الأكبر بفارق أن الكيان الفارسي يستخدم ولا يشاور مع هامش للمناورة بإعطائه حق اتخاذ القرار الدموي.
إذا ما قدر واشغلت الأداة الأكثر تأثيراً وتسريعا للمشروع الاستعماري ، سيجبر المشروع الاستعماري إلى إعادة ترتيب أولوياته ، والعودة مجبراً للخلف.
فإشغال المشروع الفارسي بالمقاومة تحت عنوان المشروع الوطني الوحدوي سيكون لها التأثير في طرق باب انتصار الأمة.
و لا يوجد ساحة في الوطني العربي قادرةً على عدم تحويل المقاومة ضد المشروع الفارسي إلى عنوان مذهبي وطائفي سوى دولة الأحواز المحتل.
فدعم وتبني مشروع التحرير الأحوازي يعني بالتأكيد إسقاط المشروع الفارسي بعد إشغاله عن عموم المنطقة.
الأمة العربية تحتاج إلى النخب الصادقة لإعادة التوجيه والتشخيص وفهم مركز عقد الصراع وكشف المشروع المتحالف والمشاريع الاستعمارية المتطفلة عليه، فهم أن المجتمع العربي اليوم متأثر غير مؤثر وان إعادة بناء الشخصية العربية يحتاج للإيمان بقدرة الأمة على التجدد.
كلما مر يوم على الأمة وهي في حالها يعني سنة من الهوان، وما هو قادم أكثر سيكون أكثر بكثير من الظلامية التي نعيشها اليوم.
الرؤيا واضحة لمن أرادها وسوداوية لمن ركب موجة التجيش الحاصلة.