تمتاز ثقافة الإنتخابات في الأردن بمّيزات فريدة من نوعها , لعل من أهمها ترويج الشعارات الوطنية و انتشار مآدب المناسف و تداول شراء أصوات الناخبين إلى جانب الميول إلى القبلية و العشائرية لإختيار المرشح مع ظهور فئة من المرشحين الباحثين عن مطامع من وراء المجلس النيابي , و لا عجب أن يخرج في النهاية مجلس نواب تجزم الغالبية باعتباره ظلاً ساكناً تنمو في ظلاله الديمقراطية الوليدة مترعرعة بهواء فاسد و رطوبة عالية , و العجب أن الأصوات تتعالى في نهاية كل دورة و حدث برلماني بالقول أن الحكومة لا تريد برلماناً قوياً و لا تريد للديمقراطية الوليدة أن تنمو و تترعرع في جو صحي , متناسين أن ثقافة الانتخابات السائدة بين جموع المواطنين هي من أوجدت مجلس النواب و انه في الحقيقة مرآة للمجتمع و يعكس رغبته .
فالمسألة هنا ليست توجيه الاتهام إلى ذات المجلس و تحميله سبب الفشل بقدر ما هو فشل شخص النائب أو المرشح الذي أتى به الناخب من خلال ثقافة الانتخابات الموروثة في عقله الباطني و لو قدر استبدال المرشح آو النائب بأخر لكان الأسوأ منه أو الشبيه به جزما .
فالمتتبع لبرامج مرشحي مجلس النواب الانتخابية يلحظ الطابع الإنشائي الذي يغلب على البرنامج الانتخابي خاصتهم و استمرار أغلب المرشحين في إتباع سياسة المراوغة المشروخة من أجل إستمالة طرفي المقص " الناخب و الحكومة " و ذلك من خلال تبني الشعارات التي تمجد الأردن حجراً و شعباً , علماً أن الأردن لا يحتاج إلى من ينادي بوحدة شعبه لوحدته في الأساس حتى و إن وجدت بعض الترسبات العنصرية فهي أخذة إلى الاضمحلال و الإختفاء مع مرور الزمن .
و لا يحتاج الأردن إلى تبني المرشحين لمطالب بعض البرامج الحكومية المكلفة التي تمس هم المواطن الأردني , لأن الحكومة بجميع أجهزتها و إمكانياتها تعمل على هذه البرامج و تواجه صعوبة في تعميم بعضها كبرنامج التامين الصحي و المقعد الجامعي لكل مواطن .
إلى ذلك نجد بعض البرامج الانتخابية التي تنادي برفض التوطين و حق الفلسطينيين في العودة و هذا و إن كان ايجابياً إلا انه من الثوابت الوطنية التي لا تحتاج إلى تكرار في كل مناسبة و يعتبر حشوا لا فائدة منه في البرنامج الانتخابي كون المواطن الأردني لن يفكر في هذا الموضوع ابتداءً قبل تأمين لقمة العيش الكريم
ما يحتاجه الأردن و المواطن الأردني في أجندة المرشح الانتخابية هو أن يكون في صلبها فعلاً و مضموناً و بالتقرب إليه و ملامسة همومه و مناقشة قضاياه و العمل على تبنيها و تنفيذ البرنامج الانتخابي على هذا المبدأ .
بإمكان المرشحين أن يوزعوا إستبيانات على ناخبي دائرتهم تتضمن أسئلة محددة قد لا تزيد عن ثلاث , و بدون أي تكلفة تذكر , لمعرفة أهم قضاياهم و مشاكلهم من صرف صحي أو غلاء معيشة أو تعليم أو مستوى الخدمات المقدمة لهم .
كثيرة هي البرامج التي يحتاجها المواطن الأردني من برامج توفير فرص عمل إلى برامج تحسين الأوضاع المعيشية و إلى برامج تبنًي برامج الخدمات .
و المرشح الذكي هو من يقدم حلولاً لقضايا المواطن و مشاكله , لا بتبنّيها فقط كشعار و مطالبة الحكومة بحلها , لأن مجلس النواب الأردني يفتقد إلى وظيفة أساسية إلى جانب دوره التشريعي و الرقابي متمثلة بتقديم آليات و حلول لمعالجة قضايا المواطن و ليس الاكتفاء بدور المطالبة بالحلول , علماً أن الحكومة و بوجود وزاراتها المتخصصة ليست بحاجة إلى يرشدها إلى وجود قضايا شائكة بل إلى من يعينها على حلها .
بل لعله من الأجدى على المرشحين أن لا يبالغوا في الإنفاق على حملاتهم الانتخابية التي قد تصل إلى مليون دينار لبعضها و العمل على إستبدال مخصصات المناسف و مخصصات شراء الأصوات و الزينه بالإنفاق على توسعة مسجد أو بناء مدرسة أو بمساعدة العائلات الفقيرة أو بتنفيذ أي من برامج الخدمات التي يحتاجها المواطن .
و من الغرابة أن نجد غالبية المرشحين ( بإستثناء مرشح واحد تقريباً) ممن سيحظى بفرصة لتمثيل الأردن أمام العالم و مخاطبة نظرائه في مجالس النواب من حول العالم و هو يجهل استعمال الانترنت حتى أن غالبيتهم لا يوجد له موقع الكتروني يعرّف عنه أو عن برنامجه الانتخابي و الإشارة إلى هذه الملاحظة هامة بسبب خاصية الانترنت كوسيلة اتصال و تواصل على المستوى المحلي و الدولي , فضلاً عن تنامي نسبة مستعملي هذه الخدمة في الأردن إلى ما نسبته النصف من المجتمع الأردني.
و لعل وزارة الداخلية و وزارة التنمية السياسية معنيتان بمعالجة خلل و عيوب ثقافة الانتخابات السائدة من أوسع الأبواب و في المقام الأول , فوزارة الداخلية تقع على عاتقها مسئولية إخراج قانون انتخابات أكثر فعالية يعكس من خلاله مبدأ المساواة و العدالة و بما يسمح بوجود تمثيل لكافة فئات المجتمع , حتى و إن إعتمد نظام الكوتا مبدئياً كوجود تمثيل لذوي الاحتياجات الخاصة و تمثيل للعمال و تمثيل لمؤسسات المجتمع المدني التي تعني بتجذير أسس الديمقراطية و حقوق الإنسان و تمثيل لفئة لا تمتلك مالاً سياسياً يمكنها من الترشح إلا أنها تملك ما يمكنها من خدمة مجتمعها فيما لو قدر لها الترشّح , و يا حبذا لو كان القانون لا يسمح بترشّح أشخاص لا يحملون درجات جامعية في بلد تجاوزت نسبة التعليم لديه التسعون بالمائة و هذا برأينا أهم من مناقشة موضوع أو قانون الصوت الواحد كونه أثبت عدالته و أفضليته و الذي لا يحتاج إلى مناقشة في حين تجاوزت اغلب دول العالم مناقشة هذه المسالة .
و يقع على عاتق وزارة التنمية السياسية أن تعمل على وأد ثقافة الانتخابات السائدة ليس فقط بالعمل قبيل أشهر معدودة من بدء الانتخابات و من خلال يافطات موزعة على أرصفة الشوارع تدعو المواطنين لممارسة حقهم بالانتخاب , بل من خلال التوعية المستمرة لاعتباراته و أهميته و آليات الانتخاب السليمة و من خلال تمكين و إظهار ذوي الكفاءات و شرائح المجتمع المختلفة .
و يمكن الإشارة إلى العلاقة المتكاملة لوصف الواقع الحالي المتمثل بالثالوث السياسي المتمثل بوجود تقصير حكومي ( ممثلاً بقانون الإنتخابات و بعدم وجود توعية انتخابية صحيحة ) في بيئة تحكمها ثقافة انتخابية فاسدة مما يؤدي قطعاً إلى ظهور مجلس نواب غير فعال , حتى و إن ضم بعض المعنيين بالعمل النيابي
نتمنى أن يرتقي الناخب الأردني و هو مقبل على الإنتخابات إلى مستوى الحدث , و ذلك بإنكار المصطلحات الانتخابية السائدة و الإدراك بمسئولية الصوت و تبنّي معايير سليمة للتصويت تقوم على إختيار المرشح المناسب و الأجدر فلعل وجود غالبية مميزة من النواب في المجلس المقبل يقلب معادلة الثالوث و يصححها