الصحف الالكترونية هي من منتجات عصر الانترنت. وكانت وما زالت لبنة حية من لبنات المجتمع عملت على زيادة الشفافية التي تتحدث عنها جميع الحكومات ولا تفعل شيئاً عملياً من أجلها. فجاءت هذه الصحف لتكون أكثر قرباً للمواطن من ناحية نشر أخبار كان محرماً تداولها بالصحف. وكانت متنفساً للكثير من المواطنين الذين يستطيعون الكتابة ، لنشر مقالاتهم وإبداء آرائهم في مختلف مناحي الحياة...
ولا بد أن هذه الصحف الجديدة تعبّر وبكثير من الصدق عن واقع مجتمعنا إن كان في مقالاتها أو في تعليقات قرائها على المقالات أو الأخبار. ولا أدري إن كانت الحكومات تتابع هذه المقالات والآراء، أو إن كان لها أي تأثير مباشر أو غير مباشر عليها، ولكن الشائع أن المخابرات في البلاد العربية جميعها ، تتابع هذه الصحف وتعرف منها إتجاه الرأي العام فيها، وأحيانا تتدخل هي بنشر بعض الأخبار التي تود أن تعرف رأي العوام فيها ....
من الغريب أن نلاحظ أن أكثر الأخبار قراءة وتعليقاً هي الأخبار والمقالات التي تتعلق بالنجوم واخبارهم الخاصة وخاصة نجوم الغناء مثل هيفاء وهبي أو اليسا أو غيرهما، وتأتي في المرتبة التالية أخبار ومقالات تتعلق بمواضيع جنسية او فضائح مسؤلين كبار او الجرائم ، ثم وبفارق كبير تاتي المواضيع الأخرى التي تتعلق بالدين والاقتصاد او السياسة ...ويأتي الصراع العربي اليهودي في آخر أولويات القارئ بعد أن كانت في قمة أولوياته قبل خمسين عاماً من الآن..
وربما كان على علماء ودارسي علم الاجتماع في بلدنا أن يدرسوا هذه الظاهرة من حيث أسبابها ونتائجها على المجتمع مع الظواهر الاخرى التي أصبحت من سمات المجتمع الاردني في السنوات العشر الأخيرة... وقد يكون تدريس الظواهر الجديدة في المدارس مدخلاً لمعالجة أو لوقف بعض الملامح الجديدة التي تسيئ للمجتمع (الذي ما زلنا ندعي أنه محافظ ) مثل الانتحار ونكاح المحارم واستعمال السلاح في المشاجرات وغيرها..
وقد لا يعي المجتمع في مرات كثيرة التغييرات التي تحدث لأنها بطيئه ، وهي كنمو الأطفال الذين لا يلاحظ ذويهم أنهم أصبحوا شبابا ، بينما يراهم الغائبون بنظرة مختلفة ، وهكذا هي تغييرات المجتمع لا يراها من يعيش فيها ، بينما على الصحافة أن تكون مرآة للأمة ،فترشدهم على الصورة الجديدة التي أصبحت تتشكل داخل المجتمع والتي أصبحت ابعد ما يكون عن صورة المجتمع الأردني ( المحافظ ) في الخمسينات من القرن الماضي .
وأخيراً ومع أن الصحف الإلكترونية ما هي إلا تجربة جديدة في حياة بدأت معالم التغيير فيها تصبح أكثر وضوحاً، ربما كان عليها واجب قيادة دفة التغيير في مجتمع لا يعرف اين تقوده الأمواج وإلى أي ميناء سيصل .....
د. معن سعيد