زاد الاردن الاخباري -
عمان - يساهم ضعف الرقابة العائلية والرسمية، التي تعد شبه غائبة، في اتساع دائرة لجوء أطفال وشباب يافعين إلى استنشاق المواد الكيماوية الطيارة، في وقت لا يدرك فيه الكثير من هذه الفئة أن حالة "التسطيل" والنشوة، التي يسعون إليها من خلال استنشاق هذه المواد، كفيلة بإيقاعهم في فخ الإدمان وكوارث صحية واجتماعية.
وعلى الرغم من الخطورة التي تسببها المواد الطيارة، وعلى رأسها انتشارا بين أطفال منحرفين مادتا "الآغو" و"التنر"، وتداعياتها الصحية القاسية على أجسادهم الغضة، فإن القانون بقي عاجزا أو بعيدا عن فرض مظلته على هذا الانحراف، وعن ضبط متعاطيها، الذين لا تطاولهم العقوبة ولا الرقابة، لعدم وجود نصوص قانونية خاصة بمثل هذه الحالات، كما تبين لـ"الغد" في تحقيقها الاستقصائي.
ويرد مهتمون تزايد أعداد ضحايا استنشاق وإدمان المواد الطيارة من الأطفال إلى غياب النصوص التشريعية الرادعة، إضافة إلى ضعف تطبيق قوانين ذات علاقة بهذه الظاهرة، فيما يبقى دور الجهات المعنية بالطفولة وضبط الانحرافات هامشيا، ولا يرقى إلى مستوى الوقاية.
ويزيد الصورة قتامة انشغال العديد من الأسر عن أبنائها وضعف الرقابة العائلية لسلوكيات الأبناء، ما يترك الباب مفتوحا للتأثر السلبي بأقران السوء.
ويرى مهتمون بالطفولة ومختصون أن اللجوء إلى استنشاق المواد الطيارة الضارة والإدمان عليها ينتشر بصورة لافتة في المناطق الفقيرة، وفي بعض مناطق الحرفيين والأماكن والمشاغل التي تكثر فيها عمالة الأطفال.
ويقول رئيس قسم الشمال لمكافحة المخدرات الرائد رشيد الشيشاني لـ "الغد" إن مراقبة الأطفال المتعاطين للمواد الطيارة "ليست من اختصاص القسم"، وأن مهامه تنحصر في متابعة وضبط مدمني المخدرات.
إلا أن الناطق الإعلامي باسم مديرية الأمن العام المقدم محمد الخطيب يشير إلى أن الأجهزة الأمنية "تضبط المتعاطين للمواد الطيارة، إما بالصدفة أو ضمن عمليات التفتيش الدورية، أو في حال وردت إليها شكوى بوجود مجموعة من المتعاطين والمستنشقين لهذه المواد". لكنه يقر بأن مسألة الرقابة والمتابعة الأمنية لمثل هذه الحالات "تبقى محدودة".
ويروي أطفال ويافعون أدمنوا تعاطي تلك المواد قصصهم، ومنهم محمد الذي التقته "الغد" في جمعية حماية الأسرة، التي تعمل منذ العام 2005 في إربد، على تنفيذ برنامج لمكافحة إدمان المواد الطيارة.
خمسة أعوام كان محمد يتعاطى خلالها التنر والآغو، يجتمع مع أصدقائه في منطقة مهجورة بعد ساعات المغيب، لتبدأ طقوس "الشم" والاستنشاق، وما إن ينتهي حتى تصبح عودته للمنزل محفوفة بالمخاطر، لكنه كان يجد المخرج بالمبيت لدى أحد الأصدقاء، تهربا من تسلل الشك إلى أسرته بإدمانه.
ولا تتوفر إحصائيات رسمية عن أعداد مدمني استنشاق المواد الطيارة حسبما يؤكد مدير المركز الوطني لتأهيل المدمنين التابع لوزارة الصحة الدكتور جمال العناني.
لكن العناني لا ينكر في الوقت نفسه وجود ضحايا من متعاطيها من دون أن يكشف عن حجم المشكلة.
وعلى الرغم من خطورة المادة المستنشقة على حال صغار السن الصحية، فإن إدخالهم للمركز غير مسموح به "نظرا لعدم توفر كوادر قادرة على التعامل مع أطفال مدمنين"، بحسب مصدر في وزارة الصحة.
وبخلاف تحذيرات المختصين والمعنيين من اتساع هذه الظاهرة، فإن الجانب الرسمي يقلل من أهمية انتشار هذه العادة. وفي ذلك يقول محافظ إربد خالد أبو زيد إن حالات استنشاق المواد الطيارة، إن وجدت، فهي "فردية".
سلافة الخطيب / الغد