زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - يلتقط ثلاثة من أركان التيار الإسلامي في الأردن دعوة الملك عبدالله الثاني العلنية لـ «الدولة المدنية» فتمتليء الساحة بالنقاش حول المشروع الجديد وتبرز خلف الستارة وفورا وحتى قبل الورقة النقاشية السادسة آراء بعض رموز الحرس القديم التي تتحدث عن «صفقة» بالكواليس بين «النظام والإخوان المسلمين».
عملياً لو ندد الإخوان المسلمين بالانتخابات البرلمانية الأخيرة واتهموا السلطة بالتدخل فيها وتزويرها لكان مثل هذا الموقف مناسباً جداً لدعاة التأزيم ضد الحركة الإسلامية داخل مربع ومركز القرار حيث يوجد مسؤولون يرى الدكتور عبدالله العكايلة أنهم يحترفون «توتير العلاقة» ولا يخدمون النظام وهم يرفضون الاستماع لصوت العقل المرجح.
العكايلة وهو رئيس كتلة الإصلاح البرلمانية المدعومة من الإخوان المسلمين والشيخ زكي بني أرشيد الرجل الأقوى في تنظيم الجماعة اليوم يعزفان بدورهما حالة تبادل مثقفة وعميقة لترويج مسألة العودة للإندماج والتوافق مع الدولة وبالنتيجة السعي لمحاولة إعادة الملف للاعتبار السياسي والبرلماني.
لذلك التقط الرجلان قبل غيرهما مضمون الخطاب الملكي عن الدولة المدنية التي لا يمكنها ان تكون»علمانية» والتي تنسجم مع مفهوم أحكام شريعة الإسلام حيث الرسول عليه الصلاة والسلام أقام أول دولة مدنية في المدينة المنورة.
العكايله أعلن في بيان صحافي تأييد التصور الذي ورد في ورقة الملك النقاشية السادسة بالخصوص وطالب بوضع آليات تنفيذ والشيخ بني أرشيد بارك المسألة ولم يعترض وفتح ذراعيه للشراكة من أجل مدنية الدولة والحوار مع كل الأيديولوجيات السياسية المخاصمة والمعارضة.
برفقتهما زاحمت عضو البرلمان والناطق بإسم كتلة الإصلاح الدكتورة ديما طهبوب وهي تعبر علناً عن «احترامها» للمضامين التي وردت في مقترحات ورقة الملك النقاشية.
في رأي البرلماني والنقابي المخضرم يوسف القرنة ما يحصل اليوم واضح وملموس وينطوي على فكرة نبيلة تدعم الحوار في ظل الثوابت الوطنية والملكية وينبغي ان يدعمه الجميع لأن المصلحة الوطنية العليا تتطلب ذلك.
القرنة يدعم المبادرة فوراً للبناء على المساحات الإيجابية التي تثير التفاؤل بعد مبادرة الملك النقاشية ويقترح عدم السماح لدعاة التأزيم بإجهاض التعاطي الإيجابي للإسلاميين مع المناخ العام الذي أنتجته مبادرة الملك النقاشية.
وهو يوافق على الاستنتاج بأن التيار الإسلامي «يطور» بتسارع موقفه من التحاور والتلاقي البراغماتي عبر التموضع البرلماني ويحذر من «إعاقة» مثل هذه التوجهات الإيجابية بالعودة لسياسات التأزيم.
في أقرب مسافة ممكنة من مكتب رئيس الوزراء الدكتور هاني الملقي يمكن القول إن الأخير»لا يبادر ولا يناور» في ملف الحركة الإسلامية والإخوان المسلمين لأنه يقدر مسبقاً أن هذا الملف «أمني» بامتياز ولم يدخل بعد في نطاق «السياسي والبرلماني».
يبدو أن نظرة الملقي العميقة تجاه بعض الملفات ومنها المعني بالإخوان المسلمين من أسباب التنسيق الضمني مع المؤسسات السيادية في الدولة حيث لا تحركات عدائية تجاه الإخوان المسلمين ولا خطوات تبالغ بالترحيب أو تحتفي بهم.
في مطبخ القرار وبصورة سريعة سجلت بعض الملاحظات وهي ترصد الحراك النشط في اتجاه العودة لحضن النظام والتلاقي معه للقطبين بني إرشيد والعكايلة تحديداً.
كما رصد باهتمام التقاط الإسلاميين قبل غيرهم لأفكار القصر الملكي حول «دولة مدنية تنسجم مع أحكام الشريعة» فيما تكتفي النخبة الكلاسيكية بطرح التساؤلات حول «خلفيات» الطرح الملكي أصلاً وبإظهار الاستغراب وأحياناً الشغب على النمو الواضح للحديث الحواري الناعم بين السلطة وقادة الإخوان المسلمين خصوصاً بعد «شرعية الصناديق والبرلمان».
مساحة الشغب تلك عند الحرس القديم والتيار المحافظ لا تقف فقط عند الإخوان المسلمين بل بدأت مبكراً في التعبير عن البحث الهوسي عن الطريقة التي تسللت بها أفكار «الدولة المدنية» اصلاً واساساً لمفردات الخطاب الملكي، الأمر الذي استوجب تصفيق التيار الإسلامي.
بالقرب من رئيس الحكومة يسأل الكثير من الوزراء والمسؤولين: أيهما يؤثر أكثر في الآخر العكايلة أم بني إرشيد فكلاهما يبدو صلباً ومبادراً.
وفي عمق المطبخ يلاحظ مسؤولون تطورين لافتين حيث لا مجال بعد الآن للاسترسال في لعبتي «الانشقاق والترخيص» مع الإخوان بسبب كتلتهم الصلبة البرامجية.
ولا مجال في المقابل لتلمس ذلك «الخيط الغامض» الذي لمح إليه وزير التربية والتعليم الدكتور محمد الذنيبات وهو يحاول فهم تدحرج ملف «المناهج» بدون مشاركة فعالة من الإخوان المسلمين بل بمساهمة توتيرية واضحة من نقيب المعلمين «البعثي» الذي استثمر فيه لإبعاد النقابة أصلاً عن الحضن الإخواني.
ثمة في الأفق ملاحظة ثالثة لا تغفل عينها أعين مطبخ القرار فالتيار الإخواني يعارض بانضباط وتعقل وبدون تحريض شارعي اتفاقية الغاز مع إسرائيل.
رغم كل هذه المبادرات من الإخوان المسلمين ومن حلفائهم مثل العكايلة خصوصاً في التأييد الجريء لمضمون ورقة الملك الأخيرة لا زال مطبخ القرار متخوفاً من السماح بنقل الملف من المدار الأمني للسياسي ويميل إلى «مراقبة الأداء» أكثر للعام البرلماني المقبل قبل التوصل لأي استنتاجات لها علاقة بمبادرات حوار مفتوح.
القدس العربي