زاد الاردن الاخباري -
إعلانات من قبيل "مجمع تجاري للبيع في جبل الحسين في موقع مميز وبسعر مليون دينار.. للاستفسار رقم....." أو غيرها من عبارات التسويق, قد لا تشد اهتمامك في الحالات الطبيعية.. لكنها تفعل بالنسبة للبعض إن قرئت على موقع إسرائيلي وسط شبه انقطاع في التواصل المعلن شعبيا بين البلدين رغم مرور 16 عاما على معاهدة السلام بينهما.
مداخلات زوار هذا الموقع من الأردن, قدحت في الذهن سؤالا إضافيا لذاك المتعلق بتقييم ثمار معاهدة السلام: "هل ما تزال جبهة ممانعة التطبيع مع إسرائيل على المستوى الشعبي متماسكة, أم أن ثمة ما يتغير ببطء"?
النقابات وأحزاب المعارضة يحملون لواء المقاطعة الشعبية بينما انخفضت وتيرة التواصل الرسمي في ضوء سياسات إسرائيل الحربية, الاستيطانية والاقتصادية ضد الفلسطينيين.
مصادر نقابية وحزبية تؤكد بأن خطوط التجارة والتواصل شبهة مقطوعة مع إسرائيل لا سيما بعد اندلاع الانتفاضة الثانية عام .2000 وذهبت لجنة مقاومة التطبيع, المنبثقة عن تلك الهيئات, إلى حد إصدار "قوائم سوداء" بأسماء من يتعاملون مع إسرائيل.
الموقع الإسرائيلي المشار اليه سالفا ليس إلا "المنتدى العربي" التابع ل¯"المعهد الإسرائيلي للتصدير والتعاون الدولي": فضاء "للتعرف على منتجات الصناعة الإسرائيلية ومنشأ البضائع المتجهة إليها ", حسبما يورد هذا الموقع على شبكة الانترنت.
أسس هذا المعهد عام ,1958 بعد عشر سنوات على قيام إسرائيل على أنقاض فلسطين التاريخية, وقبل 21 عاما من إبرام أول معاهدة سلام بين إسرائيل ودولة عربية (مصر عام 1979). يصف المعهد نفسه بأنه مؤسسة غير ربحية, تحتوي على منتديين بالعبرية والانجليزية, الى جانب العربية, تسهل التواصل بين التجار العرب والإسرائيليين.
تسويق العقارات الأردنية لإسرائيليين
لدى سؤال صاحب مجمع جبل الحسين عن الإعلان المذيل برقم هاتفه, لم يتردد في نسبته له. حاولنا بهدوء تمرير طلبنا بإجراء لقاء معه; خشية رفضه حرجا من وضعه في خانة المتعاملين مع إسرائيل, لكن إجابته جاءت على غير المتوقع:" كل شي فوق الطاولة, تفضل. الحمد الله ما في شي الواحد يستحي منه".
ينفي الرجل اعتباره تاجر عقار متمرسا, فالأمر ينحصر في محاولته " تصريف المجمع العائد لنسيبه".
وهو لا يحمل أي موقف تجاه إسرائيل, ويحب "أن يعم السلام على الجميع" كما يقول. حين عرضنا له وجهة نظر من يعتبرون هذا تطبيعا مع من احتل أرضا عربية, أجاب بأن على الشعوب "تجاوز الحسابات السياسية".
بعض زوار المنتدى يعرضون ما لا يمكن بيعه لإسرائيل, على الأقل من وجهة قانونية, تماما كما يفعل هشام حين يعرض أرضا أردنية للبيع على صفحات الموقع في إعلان نصه: "مزرعة مكونة من أربعة دونمات في الأردن في ضواحي عمان مزروعة بالزيتون وتحتوي على غرفة صغيرة بسعر مغري جدا. للمعنيين فقط الرجاء الاتصال بهشام في فلسطين, الرقم..."
في المنتدى, وسيط إسرائيلي يسأل عن تاجر أردني ليورد له بعض الأسماك من إسرائيل. آخر من الأردن يضع إعلانا لشقق مفروشة. عشرات الأفراد يبحثون عن قناة للعبور التجاري من الدول العربية إلى إسرائيل أو العكس.
الطبقة الوسطى و"ثمار السلام"
في هذا المنتدى لا صفقات بالملايين, وهو أمر لا يستغربه احد القائمين عليه في تصريحات عبر "المسنجر" ل¯ "العرب اليوم" شريطة عدم كشف اسمه. بحسب الشاب الفلسطيني-إسرائيلي الجنسية (عرب 1948), المشاريع "المليونية تنفذ على مستوى الوزارات وكبار التجار (...) كي نوصل ثمرات السلام أيضا إلى الطبقات الوسطى يجب علينا تشجيع التعاملات التجارية بينهم وهذا هو دورنا" حسب قوله.
برأي محدثنا, نجاح المنتدى العربي من هذا الموقع, الذي انطلق قبل نحو خمس سنوات, لا يتعلق بحجم ما ينجز من صفقات تجارية; "فوجود المنتدى بحد ذاته يعطي فرصة لأصحاب الأعمال الصغيرة والمتوسطة من الجهتين لتطوير تجارتهم, بغض النظر عن المشاكل الإقليمية العويصة ورفض التطبيع, فصاحب معمل صغير للمعسل يمكنه إيجاد مستورد صغير للتعامل معه فيستفيد الطرفان", يقول الرجل.
قد يبدو غريبا لدى البعض توجه العربي بماله وبضاعته نحو إسرائيل في الوقت الذي يمكنه الاكتفاء بسوق عربية ضخمة من 22 دولة, لكن المشرف على الموقع خلف الجدار, يرى الأمر طبيعيا بحكم "ارتفاع نسبة الربح لدى التعامل مع إسرائيليين قياسا بالعرب". في المقابل يرى احد الزوار في دخوله للمنتدى فرصة "مجانية" لتسويق منتجه لأقرانه من الأردنيين أو العرب باعتباره مقصدا لجنسيات متعددة.
مشاريع إسرائيلية في الأردن
تبعا للأرقام الأردنية, تشهد الروابط الاقتصادية مع إسرائيل, الملخصة بحجم التبادل التجاري, تذبذبا طبقا للأوضاع السياسية وسخونة المنطقة.
فارقام دائرة الإحصاءات العامة تشير الى ارتفاع حجم المستوردات من اسرائيل إلى 1.33401 دينار, للفترة بين كانون ثاني وتموز لهذا العام مقابل 6.27492 للفترة ذاتها من العام الماضي. اما حجم التصدير لاسرائيل فقد انخفض للفترة ذاتها من هذا العام قياسا بالعام الماضي, اذ بلغ 8.38600 هذا العام منخفضا من .2.56366
بالنسبة لكاتب التقرير كمنت مشكلة هذه الأرقام وسواها في قصورها عن تفكيك المشهد بما يجيب على سؤال: أين يقف صغار التجار والكسبة وأولئك المحسوبون على الفئة الوسطى الأردنية من العلاقة مع إسرائيل, خصوصا حين جزم لنا الناطق الإعلامي لوزارة الصناعة والتجارة ينال برماوي "باستحالة العثور على أرقام تستنبط حقائق بهذا الشأن".
على الجانب الإسرائيلي تبدو إجابة السؤال ممكنة إلى حد ما; إذ يؤكد مركز التعاون الدولي (مشاف) التابع لوزارة الخارجية, في رصده حجم مشاريع التعاون بين البلدين خلال عشر سنوات بدءا من تاريخ توقيع وادي عربة وحتى ,2004 إلى" تزايد في عدد المشاريع في مجالات الصحة, البيئة, الزارعة, التطوير الريفي والمدني, تطوير المجتمع, التعليم والإدارة".
الجاذب للانتباه في مشاريع (مشاف) داخل الأردن هو طابعها التنموي الموجه نحو المجتمع المحلي, وليس الاستراتيجي المنفذ على مستوى البلاد, كقناة البحرين أو المدن الصناعية المؤهلة أو المطار المشترك في العقبة.
يضرب المركز أمثلة على تلك المشاريع في الفترة المشار اليها, بتدريب نحو 515 مهنيا أردنيا في دورات أقيمت في إسرائيل. في غضون ذلك, بحسب المركز, أقيمت دورات في الأردن أيضا تتعلق بالزراعة والعلاج الطبيعي بالتعاون مع جمعية الحسين لتأهيل ورعاية المعوقين.
يعرض موقع مشاف متابعته لنقل تكنولوجيا زراعية بين كيبوتس يوتفاتا والمزارعين الأردنيين في منطقتي رحمة وأم مطلق. في 2001 يشرح كيف شارك في افتتاح مزرعة نحل "نموذجية" في إربد, وساهم بافتتاح أخرى في الكرك عام 1998 لتربية مواشي"أواسي", التي تنتج حليبا يزيد أربعة أضعاف على ذلك الذي تعطيه الماشية المحلية. وفي الصحة يؤكد المركز بناءه وتجهيزه لوحدة عناية مكثفة في مستشفى الهلال الأحمر الأردني "الذي يقدم خدماته لذوي الدخل المحدود" كما يصف.
وجهة نظر المقاطعة
لئن كان ثمة من يبادر لإقامة علاقة تجارية ما مع إسرائيل, فهذا لا يعني أننا بصدد الحديث عن ظاهرة من هذا النوع, على الأقل من وجهة نظر رئيس لجنة مقاومة التطبيع النقابة بادي الرفايعة. الأمر برمته, بالنسبة للرفايعة, لا يعدو كونه "محاولات فردية معزولة لا تعكس الموقف المتماسك للشارع الأردني حيال إسرائيل بوصفها عدوا وجوديا". الأمثلة التي يسوقها الرجل للدلالة على صحة رأيه كثيرة, ليس اقلها أن من بين نحو 200 مكتب سياحي, أربعة أو خمسة فقط يسيرون رحلات إلى القدس عن طريق السفارة الإسرائيلية. كما أن مجمل العلاقة مع "الكيان", حسب الرفايعة, تنحصر بالمستوى الرسمي, الذي" وإن أقام مسؤولوه علاقات مع إسرائيل بحكم الواجب الوظيفي, إلا إن بعضهم سرعان ما يعود, بعد تقاعده, إلى خندق معاداتها" يقول الرجل.0
العرب اليوم -عماد الرواشدة