نسير يومياً في شوارع مدينتنا الجميلة فنرى رقباء السير الأفاضل وهم ينظمون تتابع المركبات ويعطون الأولوية كلٌّ حسب حاجة الطريق وازدحامها ، وهم يقومون بواجبهم هذا صيفاً شتاءً ، لا يبالون بقيظ الشمس الحارقة ولا بتساقط الأمطار ، فهم متواجدون دوماً في مواقعهم ، لِيُؤدّوا واجبهم على خير وجه .
ويحتاج الكثير من السائقين لرقيب السير ليجبرهم على الالتزام بآداب المرور وإعطاء الطريق حقه ، وتخفيف السرعة وإعطاء الأولويات للآخرين ، والتقيد بإشارات المرور المختلفة .
فهم ينسون أول قاعدة تعلموها قبل استلام رخصة القيادة وهي ( القيادة .. فنٌّ وذوقٌ وأخلاق ) ويحاولون فقط أن يُرونا فنونهم في كسر قواعد السير وإطلاق المنبهات بداعٍ أو بلا داعٍ ، ويتجاوزون عن هذا و ذاك بسرعة جنونية كأنه لا يوجد سواهم على الطريق من سائـقـين أو مشاةٍ أو مركبات !!
وهكذا لا نزال في كل جوانب حياتنا ، بحاجةٍ إلى رقيب ( سَيْرٍ وسلوك ) يقف على رؤوسنا ليتأكد دوماً أننا نـقـوم بواجباتنا ، فلا نتهرّب ولا نتسكّع ولا نُماطل ولا نُؤجل ولا نُخالِف ، رقيبٌ على رأس كلّ مواطن لا يجد في أعماقه رقيبه الذاتيّ الذي وضعه الله تعالى فينا حتى نُحكّمَه على سلوكياتنا ونخضعها لضمائرنا ، فلو أعمَلَ كلّ مواطن وكلّ مسؤول رقابته الذاتيّة على نفسه ، فأدّى واجبه لأنه واجبه ، وليس لأنه معرّضٌ للفصل أو الطّرد أو العقاب ، ولأن لكلّ منا واجبٌ عليه أن يُؤدّيه في مُقابل الحقوق التي يُطالبُ بها ، ولأننا نُدرِك أنّ الحِسّ بالمسؤولية والانتماءَ الصّادقَ للوطن والمُجتمع يتطلّبان أن تضع الرّقابة الإلهيّة على جميع تصرّفاتك فلا تفعل إلا ما يوافقك عليه ضميرُك ، فلا تفتح باباً لا تعرف كيف تغلقه ..
سلوكيّات كثيرةٌ مخفيّة مستترةٌ تحتاج لرقابةٍ ذاتيةٍ تنظّمها وتوقف شرّ بعضها ، فالمسؤول عليه أن يراعي رعيته ويقوم بواجبه تجاهها ، ويتفقد أمورَها دون أن تحتاج للشكوى والتذمر ، والموظف المتنفّذ عليه ألا يستغل وظيفته وعمله لإرهاق عباد الله في الواسطات أو الرّشاوى ، والسّائقُ لا يقطعُ إشارةَ المرورِ ولو كان وحده في منتصف الليل ولم يكن تحت رقابة الكاميرات ، والجارُ يُعطي جيرانه حقهم في المعاملةِ الطيّبةِ ومراعاة راحتهم وعدم الخوض في أعراضِهم ، والرّجلُ يُعطي أخته وابنته وزوجته حقها في الميراث الذي شرعه الله تعالى لها لا ظلـمـاً له ولا تعدّياً عليه ، ولا يُعطي نفسَه الحقَّ في ادّعاء الشرف عليها فيما هو يُلوّث شرَفَ نساءِ الآخرين ، فيُنصِّب نفسَه قاضياً وجلاداً ، والناسُ لا يدّعون الأخلاقَ والالتزامَ الدينيّ أمام الآخرين فيما هُم لا يَصِلون أرحامهم ولا يسألون عن فقراء أُسرِهم ولا يُؤدّون واجبَهُم تِجاهم !!
أتقنّا فنّ تقليدِ الغربِ حتّى حوّلنا شبابَنا ورجالنا إلى أشباه رجال ، يتفاخرون بنعومة الوجه وقصّةِ الشعر القـنـفـذية والملابس التي تكاد تسقط عن أجسادهم ، فإنْ رأيتَ رجلاً من الخلف لا تستطيع تمييزه عن أيّة فتاة من طول الشعر أو ربطة ( ذيل الفرس ) أو العطر النفاذ أو طبيعة الثياب ، حتى رأيتَ الجميعَ يتحولون إلى حالةٍ من التخنيث الكريهة التي تُصيبنا بالغثيان !!
تفاخرنا أننا نتقن لغة عدوّنا ونستخدمُها أكثرَ من لغة قرآننا ، وانتصرنا لعدّونا ونعتناه بالمتقدم والمتحضّر والمتمدّن ، وأننا عربٌ متخلفون غير متطورين ، ونسينا أننا كنا خير أمّةٍ أُخرِجَت للناس ، ولكن بُعدُنا عن ديننا وأخلاقنا جعلوا حالتنا تتدهور إلى الدّرك الأسفل ، فتقدم غيرنا ولم نستطع حتى أن نلحق به لنسبقه أو نصبح مثله ، الفكرة أننا لم نأخذ من الغرب إلا ما أرادوا لنا أن نأخذه من إفسادٍ لجيلنا الجديد ،فتولّعنا بالمطربين والمطربات والراقصين والراقصات ولم نعد نعرف من برامج تخاطب الشباب غير ستار أكاديمي وبرامج مواهب الرقص والغناء .
أهذا ما رأيناه في الغرب فقط وفرحنا بتقليده ؟؟ لِمَ لا نأخذ منهم اهتمامهم بالعلم والتكنولوجيا ، لِمَ لا نأخذ منهم حبّهم للنظام ودقة الالتزام بالمواعيد ، فتجد أحدنا يتأخر أكثر من ساعة عن موعد ما دون أن يجد في نفسه غضاضة !! لِمَ لا نتعلّم منهم الإصرار والإنفاق على الإبداع وزيادة ملكاتِ عقولِ أبنائنا ، بل نقيّدهم بمناهجَ محدّدةٍ لا تتبدل إلا كلّ بضعةِ سنين وليس فيها غير التلقين والحفظ ، والذي يتبخر من عقولهم بـعد أول عطلة قصيرة ! لِمَ لا نتعلم منهم الإحساس بالمسؤولية والانتماء بحيث أن المواطن يلتزم بما عليه من ضرائب والتزامات ، وينتظر معاملةً بالمثل من مسؤولي بلده ليُعطوه خدماتٍ وبنيةٍ تحتيةٍ مقابل ما دفع ، ويمكنه دوماً أن يسأل أين تذهب أموالُ الشعبِ المدفوعة ، ولماذا لا يجد فقراؤنا ما يأكلونه ، ولماذا ولماذا ؟؟؟
المهم إخوتي ، أن لا نفقد هويّتنا ، أن نتذكّر أننا أبداً لن نكون غرباً ولا شرقاً إن استمرت هذه حالنا ، بل علينا أن نحدّد من نحن ، وأن نقرّر أنّ ما نأخذه من الغرب هو فقط بالمقدار الذي لا يُفسد شبابنا ، وأن نُعدّ أجيالنا لتكون قويةً حكيمةً قادرةً على القيام بمسؤوليتها لمواجهة قادم الأيام ! والمهم أيضاً أن نتذكر أن شبابنا ليس غبياً لكنه بحاجة لإدراك الفخ الذي يُلقى فيه ، فلندعم أبناءنا ونوضح لهم مـا نعرف ، ونعلمهم أمور دينهم الحنيف دون تطرّف ولا شِدّة ، فيعلمون أنّ دينَهم لا يُريد لهم التّخلف ، ولكنه يريد لهم الخير ، فيكونوا على وعي وعلمٍ واطّلاعٍ ، فلا يتخلّون عن عروبتهم ووجودِهم .
ولنقوّي فيهم وازع الرّقابة الذاتيّة على أنفسهم فلا ينتظرون الرّقيب والحسيب لمحاسبتهم ، بل يراقبون أنفسهم ، وعندما يصبح كلّ منا رقيباً على نفـسه ، سيؤدي واجبه دون طلبٍ ولا متابعة ، وبالتأكيد سنثق أننا ربّينا جيلاً قوياً قويماً يُعتمد عليه ويقدر أن يُقرّر بنفسه فيما بعد خيره من شره ، فلا نكون كما قال عليه السلام فينا : ( أنتم كثيرٌ.. ولكنكم غثاءٌ كغثاء السّيل ). ودمتم بخير !
nasamat_n@yahoo.com