تعريف السياسة لغة هي معالجة الأمور ، وهي اصطلاحا ، رعاية شؤون الشعب في الدولة وشؤون الدولة الداخلية والخارجية ، وهي العلاقة بين الحاكم والمحكوم ، وكانت السياسة دائما الشغل الشاغل للكثير من الفلاسفة والمؤرخين على مر الزمن ، وقد اختلفت الآراء حول مفهوم السياسة من فيلسوف إلى آخر ، فمنهم من يرى أن سياسة الدولة يجب أن تقوم على ثلاثة أنواع من السلطة ، وهي السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية والسلطة القضائية ، ووجوب الفصل بينها لضمان حقوق الإنسان وحريته ، ومنهم من رأى أن السياسة لا يجب أن تكون سجينة لمجموعة من الأجهزة التي تُخضع الأفراد لسياسة معينة داخل دولة معينة ، وأما الفيلسوف الايطالي " نيكولو ميكافيلي " ، رأى أن السياسة هي مجال الصراع بين الأفراد والجماعات ، وأن على الحاكم في الدولة أن يكون مستعدا لتوظيف كل الأساليب لحل هذا الصراع وفضه ، ( ليظهر لهم بمظهر الحاكم الملهم ) ، وعليه أن يكون قويا وماكرا حسب مقتضيات الظروف ومجريات الأحداث ، ويمكنه أيضا ( الحاكم ) وضع القوانين التي من خلالها يضمن التدخل في الأحداث ولو بالقوة لضمان بقاء السلطة ، على مبدأ ميكافيلي نفسه ، الغاية تبرر الوسيلة ، وأن على الحاكم أن يجمع بين حب الناس وخوفهم منه .
السياسة الداخلية في البلاد العربية واحدة ، ويكاد يكون كيفية تطبيقها الشئ الوحيد الذي اتفق عليه العرب ، وهم في العادة غير متفقين حتى فيما يخص عقيدتهم الدينية ، والسياسة هي الكلمة الأكثر شيوعا على جميع المستويات ، الرسمية منها والشعبية ، فنلاحظ أن الشعوب العربية تتابع الأحداث الدولية والمحلية لكل بلد عربي ، وتتحدث في السياسة بعلم وبدون علم ، خلافا لمعظم شعوب العالم ، ولم يتأتى هذا من فراغ ، وإنما طبيعة الأحداث الجسام التي تعرضت وتتعرض لها البلاد العربية وشعوبها والمتكررة يوميا ومنذ عشرات السنين ، فرضت هذا الواقع ، ولأن الوضع الطبيعي أن تختلف الآراء والتوجهات عند الأفراد والجماعات والأحزاب والمؤسسات والهيئات الشعبية في كل حدث من الأحداث التي تصيبهم ، مما قد يولد احتقانا فيما بينهم ، فإننا نجد أن الأنظمة العربية قد تبنت المفهوم السياسي لدى ميكافيلي ، لضرب الأفراد والجماعات ، ثم التدخل للحيلولة دون تفاقم الخلافات بينهم وخروجها عن سيطرة الدولة لضمان بقاء سلطتهم ، وساعدهم على ذلك وقوف القوى العالمية الكبرى التي تطبق الديمقراطية في بلادها وتمارس الديكتاتورية في بلادنا العربية .
كل الدول العربية تركت كل المفاهيم السياسية جانبا ، ولم يعجبها غير المفهوم الذي طرحه وتبناه ميكافيلي ، لأنها وجدت في هذا المفهوم ما يحقق مصالح الأنظمة الحاكمة ومن يسير في فلكها واستمرار بقائها ، ولم يسعوا أبدا لتطبيق المفهوم القائم على السلطات الثلاث والفصل بينها مثلا ، وإن كان هذا المفهوم مطبقا بشكله الخارجي دون تطبيق جوهره ، حتى أصبحت كل الدول العربية مجرد كيانات صلبة غير قابلة للتطور او هي رافضة للفكرة ، مستمدة هذا الرفض من شعوبها الذين هم ليسوا سوى بشر يمشون على الأرض ، لا حول لهم ولا قوة ، نتيجة عشرات السنين من حصارهم ومنع كل القيم والمبادئ والحقوق الإنسانية عنهم ، ولم يسمحوا لأي من مفاهيم الحرية والحقوق الأساسية والديمقراطية دخول بلادهم ، وهم بكل إجراءاتهم تلك مدعومين كما أسلفت من قوى عالمية كبرى ، ترى أن جمود العقل العربي وتوقفه في العصور القديمة انفع وأجدى لمصالحهم في المنطقة العربية .
وبالإضافة لكل ما سبق ، فإن السياسة التي يمارسها السياسيون العرب تحتاج إلى ثقافة سياسية عالية ، لا أقول تضاهي ولكن تجاري السياسة العالمية السائدة ، لضمان سيادة البلاد والشعوب العربية ، ولكن الساسة في بلادنا العربية يعتبرون أن العمل السياسي مجرد مناصب وتوريث مناصب ومنافع لا حدود لها ، ومجرد وظيفة عادية موكلة إليهم ، وهي لا تخرج من هذا الإطار ، وبالتالي هم ليسوا بحاجة لتحصين أنفسهم بالثقافة العامة للسياسة ومفاهيمها ، وبناء على كل ذلك ، هل يعقل أن يكون أجداد ميكافيلي عربا وبالتالي يكون قد تأثر بجيناتهم ؟ ..