بين دفع و شد وما بينهما بتراكم أحداث الثورة والضد والتلاعب بالأمن الوطني ، يحين دورها بغفلة عما يكون وسيكون.
الربيع العربي أنتج أعظم ثورة وعي جماهيري في الوطن العربي ولغياب النخب والحزب الشامل، تاهت الثورة بين مطالب يومية لم ترتقي لمستوى المطالب السيادية وبين التأمر الدولي ، فسقطت ثورة الوعي في معادلات الأمن الوطني اليومي للمواطن.
واعتماداً على الفهم الموضوعي لمنطق التفكير المجتمعي ، فأن الوطن العربي بسلوكيه الاجتماعي ، مجتمع مبني على فكرة الأسرة و رفض الذاتية للفرد، فكل معادلات الأمن والتنمية تعتمد أساساً على الانطلاق من الأسرة المكون الأساس للمجتمع بخلاف مجتمعات أخرى تعتمد على الفرد بالتنمية والأمن.
وبغياب النخب الراشدة والحزب ذي البرنامج الشامل وقيادات أهل العقد تحولت ثورة الوعي إلى سياج يحيط بالمجموع تخوفاً من نتائج انفلات عقال الأمن الوطني، الذي يأتي في سلم أولويات مجتمع الأسرة.
وابتداءً من سوريا التي تحولت ثورتها إلى انتفاضة مسلحة أخذت شكل التجيش في كلا المعسكرين مع غياب الضابط لإيقاع الثورة ، بفعل تدخل مشاريع استعمارية أسقطت على الواقع السوري ثقل أدواتها من أنظمة و أحزاب، فصار الحل و قنواته خارج المسرح السوري بتوافق قوى إقليمية ودولية ، مع غياب كامل للمصلحة الوطنية السورية ، وهو تحديداً ما حدث في ليبيا بفارق الأدوات وما يحدث باليمن مع فارق معسكرات التجيش و الدعم، و للعراق في هذا قصة مختلفة تماماً ، بين معسكرات الضد والدعم.
مصر بمجموعها تشكل الثقل الأساس في مشروع النهضة العربي وبدونها يكون مشروع النهضة ذي سمة إقليمية ولا يأخذ شكل القومية الشاملة، استطاعت مصر بوعي جماهيرها الموجه من تخطي خط الأزمة الشعبية باختيار "السيسي" بعد الإطاحة بحكم "مرسي" ، و اختيار جنرالات ذي طموح كان الحل الوحيد أمام المصريين بغياب النظرة الشاملة للنخب التي حسمت أمرها مطالبة الجيش بالتدخل في اليوم الأول لبدء ثورة الضد.
مما لا شك فيه أن النخب ارتكبت الجريمة الأكبر في استقدام الجيش و تمهيد الطريق له ليكون طرفاً بالنزاع الديمقراطي الفوضوي، وكان الأصل أن يبقى الجيش في معسكره تحت عنوان حماية السيادة الوطنية، وفرض شروط التغير دون تدخل بالمشاركة المباشرة، كان الذهاب لانتخابات مبكرة للرئاسة هو الحل ، إلا أن طموح جنرالات الجيش مدعومة من أنظمة عربية هو الدافع المستغل بظروف مؤلمة ودامية لركب سدة السلطة برضا شعبي عام، تحت عنوان الجيش صمام الأمان.
ومرة أخرى غياب النخب و القيادات الاجتماعية والحزب ذي البرنامج الشمولي ، سقطت مصر في دائرة فساد بنا حدودها تحالف الجنرالات مع رجال أعمال فاسدين.
و أخطر ما يحدث اليوم في مصر غياب العقل الراشد في مصر و تحول الجيش من صمام أمان إلى طرف مباشر في الصراع .
و الدول المحيطة التي دعمت تولي الجيش للسلطة لأسباب تتجاوز حدود مصر الطبيعية هي ذاتها التي ستسهم في جر مصر إلى حرب تقسيم اجتماعي ينتج عنه مجازر و بناء مجتمعات في حدود الدولة المركزية.
الدعوة التي أطلقها نشطاء باعتبار 11/11 يوم التحرك لإسقاط نظام الحكم ، ستكون الشرارة الأولى في تغيب مصر كلياً عن المشهد في الساحة العربية.
ستخسر الدول العربية المشكلة للتحالف "الحاسم" ، مصر الدولة المتماسكة حتى لو كان توجهها نحو التحالف مع روسيا والفرس، ستخسر نقطة استقرار مهم في بوابة أفريقيا العربية.
المشروع الاستعماري الأمريكي بأدواته كلها يسير كيفما خطط له بتفتيت المجتمعات العربية و إضعاف السلطة المركزية، وتحويل المنطقة العربية إلى مجتمعات قبلية و مذهبية وطائفية و مناطقية، فينتج مجتمع مفكك متخلف، تنتشر فيه كل أمراض البشرية الفاسدة.
أنظمة تحالف "الحسم" تحتاج إلى جرعة منطق وطني ، تحتاج إلى شمولية الرؤيا ، فحماية العرش لا يمكن أن تكون باستعداء دول الثقل العربي.
عليهم وان اختلفوا مع مصر "السيسي" أن يحافظوا على الأمن في مصر و على وحدة المجتمع المصري، وعلى النخب الواعية في مصر أن يكون شعارها انتخابات رئاسية مبكرة، وان لا يكون فراغ السلطة غاية .
قوى كثيرة في مصر تستعد لإحراق مصر لتعيد بنائها كيفما تريد هي و للأسف كل القوى متساوية القوة لهذا تحتاج مصر إلى بحر من الدماء لتصل إلى منطق الدولة و لن تصل إليه لان النهاية ستكون التساوي والمحاصصة.
و بنفس المنطق في سوريا الحفاظ على تساوي القوتين ("الشعبية" بمواجهة "بشار" )وحلفائه، و ذات الرؤيا في ليبيا ، كلما اتفقت الأطراف أشعلها مرة أخرى مهووس.
و بذات الصيغة في اليمن تحالف "الحسم" لم يستطيع للان حسم المعركة، وصارت في اليمن شعبياً تنقلب ضده مع طول مدة الحرب.
الأمة العربية تجزأ اجتماعياً برعاية المشروع الاستعماري، و لا اختلاف بين صاحب المشروع و الأدوات المنفذة.
11/11 سيكون شرارة الانطلاق لتغير المزاج الشعبي المصري، والمرحلة الثانية في مشروع التقسيم الاجتماعي عربياً.