في الاجتماع الدوري لرؤساء الجامعات الأردنية الذي احتضنته جامعة اليرموك هذا الإسبوع قطع وزير التعليم العالي والبحث العلمي الطريق على كل الشائعات والقراءات المتعلقة بالاستراتيجية الوطنية للموارد البشرية انسجاما مع المثل العربي المشهور: (قَطَعَت جهيزة قَوْلَ كُلِّ خَطِيْب) بقوله: “إننا لسنا بحاجة لمزيد من الاستراتيجيات في التعليم العالي، والمطلوب إدخال مخرجات الاستراتيجية الوطنية لتنمية الموارد البشرية والبدء الفوري بالتطبيق.
تميّز قول الوزير مثل عمله بالمؤسسية التي افتقدناها في عمل كثير من الوزارات والمؤسسات الأردنية من إلغاء جهود السابقين أو التنكّر لها، وهي آفة خطيرة تسببت في إرباك عمل كثير من المؤسسات.
أكد الطويسي أن الوزارة تعكف حالياً على وضع خطة تنفيذية سترفع إلى مجلس الوزراء في غضون الأسابيع الثلاثة المقبلة، حيثُ ستتضمن ما ورد في الاستراتيجية حيال محاور الحاكمية، وأسس القبول، والاستثناءات وسياسات القبول، والأوضاع المالية للجامعات الرسمية.
وهذا نفي لكل القراءات، والتوقعات، والمقابلات التلفزيونية التي أفادت بأن ذهاب الوزير السابق رئيس لجنة الاستراتيجية الوطنية للموارد البشرية الدكتور وجيه عويس وقدوم الدكتور الطويسي إشارة لطي الاستراتيجية ووضعها في الأدراج، وذهاب جهود واضعيها أدراج الرياح كغيرها من الاستراتيجيات السابقة؛ مما نشر شعور الإحباط في الجسم الأكاديمي، وعند كثيرين ممن يأملون بإصلاح التعليم العالي.
نفت أقوال الوزير أيضا كثيرا من الشائعات القائلة بأن الاستراتيجية ألغت المكرمات الملكية، وأبناء القوات المسلحة والأجهزة الأمنية ،والمعلمين، وأبناء العاملين في الجامعات، فأكد وهو العضو الفاعل في لجنة استثناءات القبول الجامعي التي انبثقت عن اللجنة الرئيسة للموارد البشرية ما جاء في الاستراتيجية ذاتها من أنها زادت النسب المخصصة لأبناء القوات المسلحة بنسبة 10 بالمائة، على مدى خمس سنوات بواقع 2 بالمائة سنوياً، ونسبة أبناء المعلمين بنسبة 5 بالمائة على مدى خمس سنوات بنسبة 1 بالمائة سنوياً، على ان تكون هذه الزيادات موجهة نحو التعليم التقني.
الأنظمة الإصلاحية الأخرى التي أعلن الوزير عن بدء مناقشتها مثل نظام أداء القيادات الأكاديمية “المساءلة”، ونظام العلاقة بين مالك الجامعة الخاصة وإدارتها الأكاديمية، ونظام ممارسة مهنة العمل الأكاديمي في الجامعات والمعاهد العليا، ونظام الطلبة الوافدين جميعها تحتاج الى متابعة لما لها من انعكاس على تحسين العملية الأكاديمية في الجامعات الرسمية والخاصة، وكذلك التعديلات التي ستطال قانوني التعليم العالي والبحث العلمي والجامعات الأردنية، فكلها من شأنها ان تعزز من استقلالية الجامعات من خلال توسيع صلاحيات مجالس الأمناء.
أما مالية الجامعات، فيبدو أنها معضلة تتدحرج من بين يدي وزير إلى آخر؛ لأن الدعم الحكومي المخصص للجامعات ما زال متواضعا في حين ما هو مطلوب من الجامعات فوق طاقة كثير منها، والفرق بينهما ماثل في تهالك البنية التحتية، وهجرة الكفاءات من أعضاء هيئة التدريس… ولن يفيد معها استقطاب المزيد من الطلبة من الخارج الذي هو الآخر في تراجع كبير لأمور باتت معروفة لا يتسع المجال لإعادتها هنا!
لا يليق برؤساء الجامعات الأردنية مثلما لا يليق بالحكومات التي ضيقت عليهم في الدعم أيضا أن ينصب جل تفكيرهم بتدبير الرواتب كل آخر شهر أو هدر وقت الاجتماع ليذهب للحديث عن المديونية؛ على حساب مناقشة سبل الارتقاء بالجامعات لتصيح في مصاف الجامعات المتميزة.
ويبقى هذا الاجتماع حدثا مهما يوحد صوت الجامعات الرسمية، ويجعله مسموعا عند أصحاب القرار لاسيما في الطموحات أو الهموم المشتركة.
وهو فرصة للوزير نفسه؛ ليعلن عن برنامج وزارته، وتطلعاتها، ويمرر توجيهاته لرؤساء الجامعات مرة واحدة بدلا من أن يكون مضطرا لتكرارها عند مقابلة كل رئيس جامعة، وكذلك للاستماع لمطالبهم، فيغني حديث واحد منهم أو مطلب لجامعته عن عناء تكراره من الرؤساء الآخرين إذا كان مشتركا بينهم جميعا أوبين عدد منهم
الاجتماع الدوري لرؤساء الجامعات الحكومية فرصة مهمة لترتيب أوراقهم، وتوحيد كلمتهم، والضغط في اتجاه تحقيق الأفضل لجامعاتهم، ففي الاتحاد قوة، وهو وسيلة مثلى للعصف الذهني، وتبادل الخبرات، ومن ثم صياغة القرار المشترك الذي يصب في مصلحة جودة التعليم في الأردن الذي بات ضرورة يتطلع المجتمع الأردني كله لتحقيقها.