منذ قيام دولة إسرائيل وهي تبحث عن طابعها القومي العنصري الذي أقيمت من أجله وقد أفشل مسعاها بأن تكون دولة يهودية سببان أساسيان ومهمان هما : الأول الأساسي ، هو صمود من تبقى من شعب فلسطين فوق أراضيهم وتشبثهم بها ، رغم أجواء النكبة الفلسطينية ومآسيها وفصولها وإرهاصاتها ، حيث كانت إسرائيل تأمل من وراء أفعالها الإجرامية ومجازرها الإرهابية قبل العام 1948 وما تلاه من أحداث ، دفع كامل الشعب الفلسطيني لمغادرة فلسطين إلى بلاد الشتات الجديدة وبلا رجعة .
والسبب الرئيسي الثاني الذي قد يبدوا غير منطقي أو قد لا يستساغ مع حقيقته لتعلقه مباشرة بالسبب الأول الذي أوجده النضال والصبر وصراع التحدي الفلسطيني ، ألا وهو الموقف الأمريكي المؤيد للتطلعات اليهودية ، ولكن المتعارض ضمنا مع الرغبات الصهيونية والبريطانية الهادفة لجعل فلسطين وطنا قوميا لليهود ، فقد أخضع الرئيس الأمريكي ترومان ( 1945م ــ 1953م ) الجميع لرأيه بحتمية تسميتها ( دولة إسرائيل ) ، متوافقا مع رأي ورغبة سلفه روزفلت ( 1933م ــ 1945م) ، الذي كان وافق بريطانيا على تمكين اليهود من إقامة دولة ديمقراطية لهم في فلسطين ، مع رفض أن تصل لدولة قومية عنصرية كما رغبت الصهيونية العالمية ، خاصة بعدما تأكد من تشبث شعب فلسطين بأرضهم بعد الثورة الكبرى 36م ، وتأكده من زيف الإدعاءات البريطانية والصهيونية القائلة بأن فلسطين هي أرض بلا شعب ، مع موافقته على الشق الثاني من الإدعاء أنها لشعب بلا أرض ، حيث أعلن بن غوريون رضوخا للأوامر الأمريكية في الاحتفال الذي نظم في مدينة تل أبيب عشية الاحتفال بقيام الدولة 14 / 5 / 1948م ( أننا أسميناها الآن دولة إسرائيل نزولا عند رغبة أصدقائنا الأمريكيين ) .
فماذا تعني دولة إسرائيل الديمقراطية التي أرادها الغرب لخدمة إستراتيجياتهم في المنطقة ، أو دولة إسرائيل اليهودية التي حاول تمريرها كبار الصهاينة وحاخامات اليهود وبريطانيا منذ إقامتها لتكون منطلقا لدولة إسرائيل من الفرات إلى النيل ؟؟؟ .
فدولة إسرائيل الديمقراطية التي أصرت أمريكا على تسميتها بهذا الاسم وما زالت إن وجدت الرفض العربي والفلسطيني لغيره ، تعني حق كل سكانها باختلاف أصولهم بالعيش فيها وأن تضمن الدولة لهم حقوقهم بالتساوي دونما تمييز أو عنصرية ، والهدف هو ضمان الحقوق الأساسية للمواطنين العرب الفلسطينيين اللذين استمروا بالبقاء والعيش فوق تراب فلسطين ، وذلك ليس حبا بالعرب أو رأفة بالفلسطينيين بل ترجمة لشرعة حقوق الإنسان التي رافقت إعلان الاستقلال الأمريكي عام 1776 ، وما يتوافق مع الإعلان العالمي لحقوق الإنسان الذي أقرته الأمم المتحدة في سنة 1948 ، والهدف الأبعد كان لعدم استثارة الدول العربية التي وجدت نفسها بين القضية الفلسطينية وعدالتها وارتباطها بها ، وبين إسرائيل كأمر واقع ومشاكلها معها ومع حدودها الهلامية ، ولتسهيل تمرير الاستراتيجيات الغربية ضد الوطن العربي من خلال إسرائيل الديمقراطية ولو ( على عينك يا تاجر ) ، التي كانت من وجهة نظر الغرب الطريق الأمثل والأسهل لفعل ذلك ، في حين أنها لو أقيمت بثوبها القومي اليهودي العنصري كما كانت ترغب بريطانيا وتريد الصهيونية العالمية ، لكانت فشلت وفشل المشروع الاستراتيجي الغربي عامة والأمريكي خاصة في المنطقة .
أما يهودية الدولة أو دولة إسرائيل اليهودية ، وهو المشروع الذي آن أوانه ومن الممكن أن يمرر في ظل شرق أوسط جديد تسعى الولايات المتحدة لإيجاده ، فتعني أنّ الأرض والحكم والحكومة هي من حق اليهود أصحاب الأرض دون غيرهم ، مع حقهم بطرد أو إبعاد من لا يثبت مواطنته الصالحة من غير اليهود الدخلاء عليها ، وهنا ( قلب للطاولة والحقيقة رأسا على عقب ) ، فالمواطنة الصالحة كما يراها اليهود ستتم بالولاء التام المشفوع بالقسم للدولة ، بما يتضمنه إلزام مُؤدي القسم الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي ، وهو ما سيعني بالتأكيد عدم قبول عرب فلسطين بيهودية الدولة وإفرازاتها وأسسها التي ستشكل خطرا حقيقيا على حاضرهم ومستقبلهم ، لأنهم حال قبولهم بها سينزع عنهم ذلك صبغتهم العربية ويلغي التزاماتهم الوطنية ، وحقهم الفلسطيني بالتعويض والبقاء والعودة ، بل وسيتيح لإسرائيل ارتكازها على أسس قانونية جديدة تمهدا لترحيلهم خارج الدولة .
ومن هنا ففي حال تمت الموافقة على يهودية إسرائيل من الجانب الفلسطيني ستنسف أهم ثلاثة أركان للقضية الفلسطينية ، أولها : حق العودة وهو ما يعني ليس فقط تجريد ملايين الفلسطينيين من حق العودة لأراضيهم التي ابعدوا عنها بالتخويف والإكراه ، بل وتهيئة الظروف لإبعاد من تبقى من عرب فلسطين إلى خارجها وإن على مراحل ومرتكزات متعددة .
ثانيا : الدولة الفلسطينية : حيث سيكون من المشكوك فيه قيام دولة فلسطين المستقلة وعاصمتها القدس فوق الأراضي المحتلة لسنة 1967م ( غزة والضفة الغربية ) حال أن يقع الفلسطينيين بهذا الفخ أو يوقعوا أنفسهم فيه ، حيث القوانين الإسرائيلية الضامة للقدس والوعود الغربية المبيتة الداعمة لجعل القدس عاصمة لإسرائيل ، وحيث النظرة الإسرائيلية لأراضي الضفة الغربية على أنها ( يهودا والسامرة ) التابعة للدولة اليهودية ، مع الموافقة المرحلية والتكتيكية على إقامة سلطات فلسطينية محلية لإدارة شؤون السكان في البلدات والمدن الفلسطينية المكتظة ، وهو ما خططت له إسرائيل فعليا من خلال تغذيتها الخلافات الفلسطينية الداخلية التي أدت لخروج غزة من دائرة الصراع ومن جغرافية الدولة اليهودية ، ومن خلال مشاريع الاستيطان والجدار الذي قسم الضفة لكنتونات وأقسام جغرافية ، وأدخلها في الواقع ضمن جغرافية إسرائيل اليهودية .
ثالثا : حق التعويض وهو ما يعني فقدان الفلسطيني لحقه بالتعويض النفسي والبدني عن كل سنوات التيه والتشرد ، بل وفي حال موافقة الفلسطينيين على يهودية الدولة سيلزمهم ذلك بدفع تعويضات لليهود ، على اعتبار أنهم أصحاب الأرض بموافقة وإمضاء الفلسطينيين أنفسهم ، وذلك لحرمانهم طوال سنوات الصراع من القدوم والاستيطان في فلسطين ، ناهيك عن مسؤولية الحروب وأضرارها التي ستطالب إسرائيل بالمليارات من الدول العربية تعويضا عنها وعن نتائجها مع أنها كانت دائما في صالحها .
وهنا لا بد من دق ناقوس الخطر أمام الشعب والقيادة الفلسطينية ، وأن يتذكروا ماضي الأيام عندما اعتبرت الأمم المتحدة الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية ، ودولة إسرائيل دولة عنصرية ، وأن ينتبهوا لقادم الأيام وما تحمله بثناياها من أخطار على القضية الفلسطينية ، ولأن ينتبه القادة الفلسطينيين لتصريحات ومواقف قادة إسرائيل ، وتحديدا لتصريح بن غوريون عام 1948م أول رئيس وزراء لدولة إسرائيل الذي قال ( نحن أسميناها الآن دولة إسرائيل ) بما يعني : مرحلية الاسم كما الحدود الهلامية لها ، وبما أشار إلى ضرورة انتقال الدولة الإسرائيلية لاسم وهدف جديد حال أن تتهيأ الظروف لذلك ، والتي برأي جميع زعماء إسرائيل وحلفائها حان موعدها في هذه الإثناء تلبية للرغبة الأمريكية بشرق أوسط جديد بالكلية والمهام والدول ، ونتيجة للخلافات العربية ــ العربية والضعف العربي الكبير ، وللتصدع والتشقق في جدار الصمود الفلسطيني والتيه الفلسطيني الخطير ، الذي كان من نتاجه قيام دويلة حماس في غزة ، وخطر إقامة دويلات متأسلمة أو مشيخات قومية أو عشائرية في الضفة .
وأن ينتبه القادة الفلسطينيين أكثر لتصريحاتهم ومواقفهم خاصة فيما يتعلق في هذه المسألة المهمة تحديدا ، والتي قد يكون بها مقتلهم ومقتل القضية الفلسطينية حتى حال الخدعة الإسرائيلية بإمكانية تثبيت حدودها ، فيهودية الدولة الإسرائيلية أن استغل الفلسطينيين الرغبة اليهودية والصهيونية بها ، وشنوا هجومهم المعاكس على حقيقتها والهدف منها ستعيد الصورة لإسرائيل العنصرية باعتبارها بؤرة الفساد والإفساد العالمي التي تهدد الأمن والسلم العالميين ، وأخطر شكل من أشكال العنصرية ، وستفقد إسرائيل أحد أسلحتها التي تهدد الوجود الفلسطيني بها ، أما إن تحققت وووفق عليها ستكون بالتأكيد المحطة الثانية لقيام إسرائيل اليهودية على حساب الحقوق الفلسطينية ، والمقدمة الأولى لقرب قيام دولة إسرائيل الكبرى من الفرات إلى النيل على حساب الحقوق العربية ، كما وستعتبر الجولة الثانية للنكبة الفلسطينية التي تعني بداية مرحلة ( الترانسفير ) لإبعاد من تبقى من الفلسطينيين إلى خارج فلسطين ، وتعني بالتأكيد الفصل الأخير من فصول تصفية القضية الفلسطينية .
Alqaisi_jothor2000@yahoo.com