نصبت الصواوين, وشدت اليوافط الى أطراف الشوارع والميادين, وحجبت الرؤية عن المارة والسواقين, وانطلقت رسميا مراسيم \"العرس الديمقراطي\" بين قوسين كبيرين.
وجاء دور المفوهون من الخطباء, فهذه أيامهم وساحاتهم, وهذا موسمهم ومسرحهم. فقاموا في الناس بأصوات جهورية مجلجلة مثل قائد عسكري خبر ساحات القتال وخبرته ساحات القتال, يدعو جيوشه الى حرب تحريرية طاحنة أو صد عدوان وشيك. وفي كثير من الأحايين تكون المبالغة بشد القوس هي السمة التي يشترك بها معظم هؤلاء الخطباء الذين يعتلون صهوة الضاد ويغتصبون هدوء الحواري والشوارع بميكروفاناتهم ذات العشرة أحصنة فما فوق.
تماما مثل صانعي الدعاية والاعلان, ومروجي السلع ومندوبي المبيعات, يبالغون بمدح السلعة وشرح ايجابياتها حتى يكادون يغرقون هم أنفسهم في مبالغتهم.
وفي أحد مسارح الشوارع هذه, قام أحدهم خطيبا, وبعد أن حمد الله وأثنى عليه, وبعد لازمة الوعظ والارشاد الوطني المعروفة, قال: الحمد لله الذي جعل للأردن عجيبتان, البتراء وراجي حمدان. الاسم هنا مستعار طبعا.
ذهب الأنباط وبقيت البتراء, ذهب اليونان والرومان وبقيت جرش, ذهب ملوك فرنسا واوروبا الصليبية وبقيت القدس وفلسطين, وسيذهب غاصبو فلسطين وستبقى فلسطين يوما لأهلها بالتأكيد. أما راجي حمدان؟ فسيذهب مع خطيبه المفوه هذا, بعد طول عمر, انشاء الله, وستبقى البتراء بالتأكيد حتى يرث الله الأرض وما عليها.
السيق والخزنة والمقابر والمسارح والتاريخ والمجد والعظمة والهيلمان, وراجي حمدان, صنوان لا يفترقان, وشبيهان سيان ليس مثلمهما اثنان.
قالها خطيبنا بالفم الملئان, وبلسان حذق طلق بلا تحفظ أو تهيب.
أيها الأنباط الأفاضل الأكارم, ما تطلعوش بالعالي. لديكم البتراء, ولدينا راجي حمدان. لديكم التاريخ ولدينا الحاضر والمستقبل. صنعتم معجزة وصنعنا معجزة. تركتم ارثا متواضعا اسمه البتراء, وسنترك ارثا عملاقا اسمه راجي حمدان. فاسمعوني واتعظوا, وما تطلعوش كده بالعالي.
سيداتي سادتي, معشر المنتخبين الأكارم,
كان الله في عونكم, اني والله لأشفق علي وعليكم, ولا أدري لي ولكم خروجا من هذا المأزق الكارثي الا مقاطعة الانتخابات أو الاختيار بطريقة \"حدرة بدرة قلي عمي عد للعشرة\" ولمن لا يعرفها, فهي ترك الصدفة للاختيار بين أكثر من خيارات تحت العشرة, أما والاختيار هنا بين ثمانمائة ونيف وخمسين مرشحا, فما رأيكم \"بالغميضة\" و \"حدرة بدرة\" معا ؟ كيف؟ اليك عزيزي المواطن ارشادات الاستعمال. أغلق عينيك وتنقل بسبابتك على \"الغميضي\" على لائحة تجار الشعارات المطرزة بالمناسف والكنافة, والتي تفوح منها \"عطبة\" المال السياسي وشراء الذمم, والمقرونة تشبيها كاذبا وتدليسا مفتربا, بعمالقة التاريخ والمستقبل, من جرش والبتراء وأم قيس والحلابات والكرك وعجلون وعمون, مع الحرص على التنقل التلقائي على اللائحة, ثم توقف بعد دقيقة, افتح عينيك وقد ثبت سبابتك على شيئ ما, وايا كان هذا الشئ فانتخبه عزيزي المواطن للبرلمان الجديد. ولن تظلم أحدا ولكن كانوا أنفسهم يظلمون.
أما خطبائنا من ماسحي الجوخ حتى بهت الجوخ واهترى, ومغتصبي هدوء خلق الله والجيران حتى عافوا بيوتهم وأصابهم الاكتئاب والشيتسوفرينيا, فلتتقوا الله في رسالتكم ومستمعيكم, ولا تبالغوا في الترويج والتسويق والتلميع, حيث ان البلد صغيرة والكل يعرف الكل. يعني \"كل ذيب عارف طارده\" . وشهادة الزور وتظليل المجتمع من المهلكات. سامحكم الله وهداكم الى قولة الحق.
أما أعزائي مشاريع النواب الأكارم, فلكم بعد التحية والاحترام نصيحة مشفق محب,
لا تسمحوا لوكلاء التسويق ومندوبي المبيعات بشد القوس الى حدود غير موضوعية واقعية. ولا تتركوهم يدخلونكم منافسة مع البتراء, فسوف تخسرون المباراة بصفر لعدة آلاف من الأهداف, واعطوا القوس باريها. اثابكم الله, ولكم كل أدعية الخير بالتوفيق والنجاح.
البتراء وجرش وأم قيس وغيرها من حواضر التاريخ والإنسانية والمجد, فلها الله وشموخها العزيز الذي لا يطوله سامق ولا يطاوله متسامق.
والسلام على من اتبع الهدى
جمال الدويري