بين محمد البوعزيزي مفجر ما سمي بالربيع العربي والمصفوع من قبل شرطية تونسية، ومن ثم المحروق قهرا عام 2011 دفاعا عن عربة الخضار التي كان يجني رزقه منها إلى الشاب المغربي محسن فكري تاجر السمك المعدم الذي دافع عن أسماكه أيضا، فطحن في سيارة النفايات بأمر من رجل أمن عربي آخر اشتهر بعبارة : (اطحن أمه) حينما سئل ماذا يفعلون به وقد صعد إلى السيارة في محاولة منه لثنيهم عن إتلاف أسماكه، وبينهما أطفال سوريا الذين استهوتهم عبارات كانوا يسمعونها يوميا، فكتبوها على الجدران، فما كان من نظامهم النزق إلا أن عذبهم، ومن ثم قتلهم بشكل لا يقل عن بشاعة عن حرق البوعزيزي أو طحن الشاب المغربي...
بين هاتين الحادثتين: الصفع والطحن ما زالرحى الثورات العربية يدور بكل ما فيها من تدمير دول، وقتل آلاف من شعوبها، وتشريدالملايين.
في السنوات العجاف السابقة التي مرت، وما زالت تمرّ على العالم العربي لم تتطور عقلية المسؤول العربي قيد أنملة، بل ما زال يتحفنا بإبداعاته غير المتناهية كان آخرها طحن هذا المواطن الذي يدافع عن أسماكه دون أن يسجل عليها فساد أو مخالفة قانونية- حسب ما تذكر الأخبار- وربما يكون ذنبه الوحيد أنه استثمر ماله بقصد أو دونما قصد فيما لا يجوز لمثله من المواطنين العاديين مشاركة المتنفذين والمحتكرين في أموال سحتهم، وعليه فلا مانع من طحنه مثل طحن كثير من الشباب العربي بين منطق الفوضى ومنطق السلطة في غياب واضح لمفهوم العدالة الاجتماعية.
المقلق في الحادثة أيضا أن أبناء جلدته من المسحوقين نفذوا أمر الطحن دونما ترو أو نقاش وكأن حالهم من العبودية، وسلب الإرادة يقول: اطحن أخاك وبعد ذلك اعترض أو احزن؛ مما يكشف عن حالة متقدمة عند غالبية الشعوب العربية المقهورة من تعطيل عقلها وضميرها نتيجة لتجهيلها وقمعها، وتراجع أدوات تفكيرها!
لم تتطور عقلية المسؤول العربي في مجالات الفساد، والنزق، والإصرار على ذبح العدالة الاجتماعية مع علمه مسبقا بأن ذلك كله قد يؤدي إلى هلاك الأمم لاسيما مع توقع موجة جديدة من انتفاض الشعوب العربية أكثر شراسة من الأولى، ومع تربص المتربصين بنا.
وسائل التواصل الاجتماعي كانت للحادثة بالمرصاد، وساهمت في تأجيج المحتجين، وحق لها ذلك،“لرمزية” الجريمة، فبشاعة الحادثة تحرك الصخر، فكيف بجيل من الشباب العاطل عن العمل يعاني اليأس والحرمان، وآخر يُحارَب في رزقه.
كان الأولى بالمسؤولين العرب الاهتمام بالشباب، وامتصاص غضبهم، وتوفير فرص العمل لهم لاسيما بعد الثورات العربية لكننا لا نرى الا مزيدا من الاستفزاز لهم، ونهبالثرواتهم، وما ثلاجة السيسي عنا ببعيد، فكأني به يريد للشاب أن يعيش10 سنوات من عمره على الماء طالما أن السيسي فعل ذلك!
.
كثيرا ما نسمع نداءات للشباب بعمل مشاريع خاصة بهم، والابتعاد عن طوابير الوظائف الحكومية، ولكن الغريب أن الحادثتين كانتا لشابين يعملان في التجارة بعيدا عن الحكومة، فما المطلوب من الشباب العربي اذن؟! ولماذا نضيق عليهم في رزقهم ؟! وماذا أبقينا لهم إذن سوى العنف والتطرف؟!