زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - منح العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني حكومته الجديدة برئاسة الدكتور هاني الملقي دعماً خاصاً لكنه اشترط في المقابل ان تتجنب الحكومة اعتبار خطاب العرش الذي ألقاه الملك أمس بمثابة بيانها الوزاري الذي تنشد الثقة على أساسه من النواب كما فعلت حكومات عدة بالماضي.
التوجيه الملكي في خطاب العرش كان واضحاً هنا خلال افتتاح الموسم البرلماني ويتعلق بأن على حكومة الملقي الاعداد لبيان وزاري لنيل ثقة البرلمان على اساسه مشترطاً التقدم ببرامج موضوعية وواقعية في البيان الوزاري.
بالتلازم لمح الملك في جرعة معنوية كبيرة يمكن استثمارها إلى أن حكومته قد يطول عمرها لأربع سنوات اذا ما تمكنت من ادارة علاقتها بتوازن مع السلطة التشريعية مشيراً بوضوح إلى ان عمر الحكومة سيكون من عمر البرلمان اذا استطاعت الحفاظ على الثقة بها.
هذا الدعم الملكي المشروط عملياً يلفت نظر بقية مراكز القوى في البرلمان وخارجه إلى ان وزارة الملقي ستبقى خياراً ملكياً لفترة أطول مما تصور كثيرون وبصورة ترد على القراءات والتحليلات التي رأت دوماً بأن وزارة الملقي انتقالية او مؤقتة. يحصل ذلك بالرغم من النشاط البرلماني الفردي الذي يتهم الملقي بتشكيل وزارته بعيداً عن المشاورات البرلمانية.
لكن الرئيس الملقي حصل على جرعة معنوية في خطاب العرش وترك للإنجاز والقدرة ولإظهار فريقه لمهاراته في التفاعل مع متطلبات الحفاظ على ثقة البرلمان وسط الايحاء المباشر بأن القصر الملكي لا يحتفظ باسم رئيس آخر للوزراء وبأن الحكومة الحالية هي الخيار وقد تبقى كذلك لأربع سنوات هي عمر البرلمان.
الملك واستناداً لخبراء مختصين يريد تكريس قاعدة بقاء السلطتين التشريعية والتنفيذية معاً وفي ولاية الدستور نفسها وهو ما حصل فعلاً مع الحكومة السابقة برئاسة الدكتور عبد الله النسور.
التوجيه الملكي مباشر ايضاً وهو يطالب النواب والوزراء ضمنياً بالتعايش معاً في السنوات الاربع المقبلة تبديداً لوهم وجود خيار باسم حكومة اخرى في التفكير الملكي ولوهم الموافقة على إسقاط الحكومة شعبياً او برلمانياً على ان تتمكن الوزارة دوماً من الاحتفاظ بثقة النواب وبصورة تردع النواب بالمقابل من اي خيارات عدمية او انقلابية على الحكومة وان كانت تسمح بمراقبة ومناقشة برامج البيان الوزاري بدون تمكين الحكومة من الاختباء وراء خطاب العرش وفي حالة سياسية تحرم فيها من هذه الميزة.
في الاثناء أدلى عاهل الأردن بخطاب عرش منهجي ومختصر تاركاً التفاصيل للبيان الوزاري وطارحاً رسائل محددة في قضايا ذات اهمية قصوى أبرزها التمسك بالولاية الدينية في إدارة مرافق مدينة القدس ودعم الشعب الفلسطيني والاصرار على ان الأولويات الأمنية والعسكرية اليوم تتصدر عندما يتعلق الأمر بالتصدي لمن سماهم الملك بقوى الظلام وبخوارج العصر وهو تعبير استعمله ملك الأردن مرات عدة عندما كان يريد وصف تنظيم «الدولة».
طوال الفترة الماضية بذل الرئيس الملقي الذي ولدت حكومته اصلاً في ظرف معقد وحساس جهداً ملموساً في لقاء ومناقشة واستقبال وحوار أكبر قاعدة ممكنة من النواب. وفي مثل هذه الحوارات شهد بعض النواب بمنطقية طرح رئاسة الحكومة وبمهنية الرئيس الملقي الذي يظهر مرونة ملموسة في ادارة الملفات الصعبة والمستعصية التي لم تكن حكومته اصلاً مسؤولة عنها او عن انتاجها.
وسط هذا المناخ من التوازن بين السلطات الذي نص عليه خطاب العرش يفترض ان تبدأ الحكومة بمداولات طلب ثقة البرلمان. التقدير الأولي يشير إلى ان حكومة الملقي تخطط لثقة متوازنة ومنطقية بنسبة قد لا تزيد عن 65 % من اصوات البرلمان. ويمكن القول بأن القراءات الأولى تشير إلى هامش منح الثقة لحكومة الملقي ما بين 80- 89 نائباً من اصل 130 وفقاً لبعض التقييمات المبدئية.
في غضون ذلك انتهت تسويات الليلة الأخيرة في انتخابات رئاسة مجلس النواب إلى أغلبية وضعت موقع الرئاسة المهم في حضن المهندس عاطف الطراونة بعدما تمكن في الليلة الأخيرة من بناء تحالف مع ثلاث كتل تمكن بواسطته من الجلوس على كرسي الرئاسة وسط تأييد محتمل خلف الكواليس من الحكومة وبالتالي إقصاء منافسه الاشرس والمشرع المخضرم المحامي عبد الكريم الدغمي الذي طمح بلا طائل بالعودة إلى سدة رئاسة البرلمان وبالنتيجة رئاسة سلطة التشريع.
وكانت انتخابات رئاسة النواب قد انتهت بفوز الطراونة بـ69 صوتاً من أصل 130 صوتاً فيما حصل منافسه الدغمي على 34 صوتاً والمنافس الثالث الدكتور عبد الله العكايلة على 21 صوتاً وتم إلغاء ست اوراق اقتراع.
الطراونة يبدو أقرب من الدغمي لإدارة حوارات تنسجم مع التقليل من نفوذ القوى المحافظة في البرلمان والمساعدة في تشريعات مستقبلية مثيرة قد تساهم في رفع منسوب التأييد لمقترحات جدلية من طراز الدولة المدنية وهيبة القانون والسعي لدولة المواطنة التي ابلغ الطراونة مسبقاً بأنها ضرورة وطنية ملحة ينبغي ان تشكل هدفاً للجميع.
القدس العربي