ربما كتب الكثير من قبلي عن هذه الظـــاهرة ....والعنف الموجه ضد الأطفال الأبرياء في داخل بيوتهم، ومدارسهم، وفي مجتمعهم، من أقرب الناس لهم ممن يـستأنسون بوجودهم ويشعرون بالأمان في قربهم.
كم هو مـؤلم ومفزع أن يصبح تعذيب الأطفال في مجتمعنا ظاهرة تشــق طريقها في التوسع والانتشـــــار. فلا يتصفح المرء منا جريدة أو يفتح محطة إذاعية أو تلفزية أو موقعا إليكترونيا أو مدونة على النت، إلا ويقرأ ويسمع أخبار" تعنيف الأطفال الأبرياء. أطفال في عمر الزهور تحملت أجسادهم الطرية الضرب والعض بكل أدوات التنكيل التي لا تخطر على بال.
فمؤخراً وبعد أن ظهرت أكثر من قصة وشـــوهد في مجتمعنا أكثر من حالة لأطفال معذبين تعرضوا لأقسى أنواع العنف من ضرب وحرق، وتشويه حتى آل ببعضهم المآل إلى المقبرة.. بينما بقي أطفال آخرون يواجهون مصيرهم من العاهات الجسدية والأمراض النفـــسية.
مسلسلات العنف بحق الطفل كثرت في مجتمعنا والجميع كان سببا فيها ومعنياً فيها
فالضرب او العنف النفسي كالتحقير او استخدام الكلمات النابية والشجارات العائلية الدرامية كلها قمعت الطفولة ...
لقد آن الأوان لوضع استراتيجية حماية الطفل وعدم الإفلات من القوانين، كما يجب أن نعمل على المستويين - المستوى الوقائي - والمستوى العلاجي لظاهرة العنف ضد اطفالنا .
ولكن في هذه العجالة لا اود الحديث عن ظاهرة العنف ضد الاطفال اترك هذا الامر لاصحاب الاختصاص للخوض بخطورة هذه الظاهرة والخروج بحلول ناجعة لوقفها باسرع وقت
ولكن اود التركيز عبر سطوري هو " الحوار " مع أطفالنا والذي هوصمام آمان للدخول لعالم الاطفال وكفيل بمعالجة جميع المشـــــاكل مع عالم الطفولة.
في هذه العجالة يجب ان يحظى كل طفل باهتمام كاف وفردي من كل من والديه وهذا ما يشكل مشكلة حقيقية في عصرنا الحالي الذي يلهث فيه الاباء والامــهات وراء لقمة العيش .... فلا يتبقى لهم من الوقت غير النزر اليسير كي يقضوه مع ابنائهم .... وهنا تأتي اهمية الاستعاضة عن الكم بالكيف ويأتي التركيز على من يقومون على تربية النشئ ومن يتولون رعايتهم ويعتبرونهم هم البيــئة الاولية اللصيقة للطفل .
وكما يقال " الافضل بناء طفل بدلاً من اصلاح انسان "
ولكن مع الاسف الشديد ....ما ان يبدأ الحــوار بيننا حتى يتحول الى صراخ ومهاترات ... ورفض للرأي الاخـر ومعاداته ،بالنفي وبالعدوان اللفظـــي حينا اخر .
كلنا يعرف بأن الطفل ينشأ في الاسرة التي تطبعه بطابعها وتعمل على تحويله من كائن بيولوجي الى كائن اجتماعي ثقافي حيث يتمثل الطفل عبر تفاعله مع الاسرة ثقافة المجتمع ولغته ومفاهيمه وقيمه وعاداته واساليب تفكيره ..
. لكن الاســــــــرة في مجتمعنا تفتقد وتفتقر الى ثقافــــــة الحــوار وابسط أدواته ،،،،، فكيف يمكنها ان تعلم الطفل ما لاتعرفــــه .... والمعروف ان التفاعل بين افراد الاســــــرة في مجتمعنا يقوم على المراتبيـة والطاعــة ... فالاهل يلقنون الطفل الاوامر والنواهي ،،، وما هو عيب وما هو حرام .... وما عليه الا القبول والاذعان .... فالزوج يقرر والزوجة والاطفال ينصاعون لهذا القرار ... والام تقرر وعلى الطفل الرضا والقبول .... وبذلك يغيب الحوار وتغيب المناقشة للكثير من المشــــــكلات والتساؤلات المشـــــــروعة التي تدور في ذهن الطفل .
من هنا يجب على المؤسســـات التربوية المعنية بالطفولة المبكرة خصوصا الاسرة ان تجعل الحوار قاعدة في التعامل مع الصغار فالحوارهوالحجر الاساس في بناء الشخصية السليمة للطفل.
لذا يجب ان نجعل الحوار قاعدة في التعامل مع الصغار وتجنب الاساليب القمعيـة العقيمــة وتجنب اصدار الاوامــر والنواهي والتقليل من القيود وجعلها في حدودها الدنيـــا ... وان تعطى الاوامر بلهجة حوارية لا تحت شكل اوامر جامدة _ تسلطية كي لا يؤدي انصياع الطفل لها الى شّل مبادراته الشخـصية.... فالطفــولة لا تحتاج الى كثير من التشــــدد ولا الى كثير من القيود كما يفعل مربينا الافاــضل في هذه الايام .
كفى قمع بحق أطفالنا ..... كفى تصلب وتشـــــدد في معاملتهم ....
فالطفل يحتاج الى الحريــة كحاجته الى الهواء والماء والغذاء وحرية الحركة في المكان المناسب وحرية التعبير وحرية اللعب وحرية التعرف على العالم الخارجي.......واحترام الطفل كشخص مستقل له عقله الخاص وافكاره الخاصة ومشــــاعره الخاصة.
فالامم بالاخلاق والاخلاق بالتربـــية ... والتربية حرفة شـــاقة وصعبة وقد قال الفيلسوف " كانت " "ان فن السياسة ، وفن التربية اصعب حرف البــــــــشر على الاطلاق "
ليست الديقراطية مســـــألة سياسية فقط .... وانما هي مســــــألة تربوية ايضا يجب ان تبدأ في الاســـــرة في المراحل الاولى من نمو الطفل وفي علاقاته الاولى مع الاســــرة "فالحوار يولد العقول " هذه المقولة اليونانيـــــة القديمة تصبح اساسا مهما في اســــس التربية الحديثة .
ما احوجنا الى تطوير مهارات الحوار عند الصغار والكبار فالحوار ضرورة تربوية هامة وهي بالنسبة للطفل حاجة من حاجات نموه وتفتحــه .
ان استخدام لغة الحـــوار في تربية الابناء تنشئ جيل فاعلا في هذا العالم ... ومؤثرا فيه ... يتعود تدريجيا تحمل المسؤولية ... وتنمو لديه الثقة بالنفـــس ... بالاضافة ان الحـــوار يعود الطفل ضبط السلوك .. وتبادل الادوار .... وينمي لديه قدرات التواصل ومهارات التبادل مع الاخرين .... مما يمكنه من دخول الحياة من بابها الواسع ... واثقا من نفسه ... متفائلا .... نشطا في دوره ... وباحثا عن تحديد مكانته وقادر على الاصغاء والسيطرة على الانفعالات.
وللاســــف الحــوار غائب ايضا عن انظمتنا التربوية الي تقوم على الحفظ والتلقين فالمعلم هو الذي يحمل المعلومات والحقائق ويشرحها للتلاميذ والطفل دوره " استقبال المعلومات الجاهزة " مما ينعدم التحفز للبحث والاستكشاف والمشاركة في الوصول الى المعلومة ... وفي ابداع الحلول للاسئلة المطروحة ..... اذن اين هو الفضول المعرفي وحب الاستكشاف الذي يجب ان نطوره عند الطفل .... فيعتاد الطفل عندئذ على الاســـتكانه والسهولة في تلقي المعلومة دون اشراكه في اعمال الفكر وعناء البحث وينطبق على هذا العنصر التربوي المثل الصيني الذي يقول " لا تعط ابنك ســــمكة ولكن علمّه كيف يصطادها "
لفت انتباهي مؤخرا ما كتبه الدكتور محمد جواد رضا في كتابه " العـرب والتربية والعالم "حيث يرى الكاتب محمد رضا ان التربية بواقعها الحالي تعمل على تنشئة اجيالنا على" أن يفكروا انهم غير قادرين على التفكير" وبهذا تعطل فيهم فعل العقل ....وتقتل روح الابداع.... والقدرة على تحمل مسؤولية الرأي الصريح الصادق وتحقق فيهم مقولة ابن خــلدون " ان من كان مرباه بالعـــسف ألف العبودية ،ونبــغ في النفاق ، وتعـــود الاتكالية العقليـــة "
ان من واجب الابوين تزويد الابناء بنظرة واقعية عن الحياة والاصدقاء والمجتمع ... فالاســـــرة هي النافذة التي ينظر الطفل الى الحيــاة من خلالها .
وختاما .....، اذا رأيتم طفلاً لا يضحك، ولا يلعب؟ إذا وجِدَ ذلك فهو إماّ مريض جسمياً، أو نفســـــانياً وفي كلتا الحالتين تجب مداراته، وإعادة الضحكة إلى ثغره، وحثّه على اللعب.
وخلاصــــة القول: عذرا ان تجاوزت حقي بأن اكتب هذا النوع من المقالات والتي من اجدر واحق ان يكتب بشأنها اصحاب الاختصاص من التربويين ولكني اؤكد اننا جميعا في الميدان لاعادة حق الحياة الكريمة لاطفالنا .
: اقول للمربين الافاضل رفقا بأطفالنا وجربوا لغة الحوار معهم
وجربّوا الغاء الضرب نهائـيا في قاموس التربيــة لان الضرب كما نعرف يضر بالطفل ويعرقل نموه..... وتطور قدراته المختلفة انه جزء من ثقافـــة الاســـــــتبداد... كفى قمع... كفى نقد لاذع وســـــــخرية بحق أطفالنا... لا يوجد بديل افضل من الحـــــوار مع صــغارنا .
اذ ان عقاب الطفل جســدياً يســحق شخصيته، ويجلب له عذاباً معنوياً كبــيراً، كما يبعث الألم في نفســـه، ويثير الحنق، وبالتالي لا تتولد لديه الرغبة في إصلاح نفســـه واصلاح مجتمعه .
بقلم : منـال القطاونـــه