بقلم: شفيق الدويك
والـــدي الذي قضى معظم سنين عمره فــرّانا (خبّازا) ،وكوّن أسرة كبيرة تجاوزت الثلاثة عشر فردا ، لم يحالفه الحظ أن يلتحق بالكتاتيب لأكثر من عامين إثنين، قضى بعد ذلك خمسة أعوام في توزيع خبز بيوت الحي لقاء القرص الاصغر من كل بيت قبل أن يصبح فــرّانا.
شدته وصرامته حملهما معه من نار الفرن وبرودة طرقات الحي الى البيت، بيتنا كان غرفة مع حمام خارجي بعيد عن الغرفة، مبني من الطين والزينكو، تسير عليه العفاريت صيفا وشتاءا. في المقابل كانت أمي على النقيض من أبي، وهذا أمر تفرضه الطبيعة على اية حال. لينة الجانب وتهوي علينا بحب وحنان عجيبين، إهتمت بإلحاقنا في كتاتيب الحي لقاء بضعة قروش كل ربع سنة على الاقل، ومن ثم في المدرسة.
كبرت مثل بقية إخوتي عدا محمد الذي توفي نتيجة تعرضه لمرض الحصبة ولم يبلغ السنة الثالثة من عمره بعد وأكملت الدراسة وحصلت على معدل مرتفع في إمتحانات الثانوية العامة مكنني من دخول الجامعة على نفقة الحكومة. قبل دوامي في الجامعة إشترى لي الأهل بنطالا شتويا كحليا وآخر رماديا مادتهما من القماش، وثلاثة قمصان بخمسة عشر دينارا وحذاءا وجرابين لائقة.
في الفصل الاول من العام الدراسي لم أتمكن من الحصول على رد تحية طالب واحد أو طالبة واحدة، وقد بدأت تتكون لدي عقدة بسبب ردات الفعل السلبية تلك والنظرات الفوقية من معظم طلاب الشعب. إقترب مني أحد الطلاب الذين ساعدتهم في حل بعض المسائل المعقدة وهمس في أذني (الشكل ... المشكلة الشكل). طلبت منه المزيد من الايضاح فقال: أنت لا تلبس مثلنا ولا تسرح شعرك بطريقة عصرية .. تبدو من العصر الحجري.
قلت: ما الحل ؟
قال: معك خمسة دنانير ؟
قلت: نعم.
قال : إذهب الى البالة تجد الحل !!
وها أنا الآن ينادونني أبو الشوش بدل شفيق!!