لسنا بصدد التمييز بين مخلوقات الله البشرية من حيث اللون أو العِرق أو الجِنس أو الدين أو المِلَّة أو المَذهب، لكنه يتبين بما لا يدع مجالا للشك أن الرئيس الأميركي المنتهية ولايته باراك حسين أوباما قد خدم بني جلدته ومِلته ومذهبه الإيرانيين، بعد أن تمكن من التخفي بثوب المسيحية لثمان سنوات كاملات بكل ثقة وتحايل واقتدار، كيف لا وهو الذي يجيد التفنن بالتلاعب بالكلمات من خلال إلقاء الخطابات، والتغني بالتغيير والأمل، تَغَنٍّ لم يأتي أُكُلاً، بل ويجيد رسم الخطوط الحمراء على الرمال المتحركة.
فأوباما أسهم بكل وضوح بالتضيحة بكل حلفاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط برمته، وأبرزهم الحليفين السعودي والإسرائيلي، فهو ضرب بكل العلاقات الأميركية السعودية التاريخية عرض الحائط الإيراني، وهو ألقى بكل سلاسل عُرى الصداقة الأميركية الإسرائيلة من النافذة الفارسية، وذلك في مجالات وميادين شتى، وأبرزها إبرامه اتفاق النووي مع إيران، رغم معارضة كل أصدقاء أميركا.
وبينما يُسمى الرئيس في أواخر عهده بالمنتهة ولايته، فإن الأميركيين أنفسهم يطلقون عليه لقب "لايم دَكْ" أو البطة العرجاء، ومن هنا، فيمكن القول إن أوباما أو البطة العرجاء الأميركية أسهمت في تراجع الدور الريادي الأميركي على المستوى الدولي، وخاصة بما يتعلق بنفوذ أميركا ومصالحها في الشرق الأوسط، وهي، أي البطة العرجاء الأميركية، أتاحت للدب أو القيصر الروسي ممثلا بالرئيس فلادمير بوتين، أتاحت له -من خلال ترددها في اتخاذ القرار- الفرصة تلو الفرصة لبسط نفوذه في المنطقة، فلقد جاء الروس بسفنهم الحربية وحاملات طائراتهم وقواتهم ومدافعهم وقاذفاتهم الإستراتيجية العملاقة من طراز توبيلوف تي يو22 إم3 وغيرها من القاذفات من طراز سوخوي بأنواعها لتقذف بِحِمَمها على رؤوس الأطفال السوريين وهم نيام في أحضان أمهاتهم، أو وهم يتلقون بعض بقايا العلاج في المستشفيات الميدانية الفقيرة، وكأن روسيا لا ترى البراميل المتفجرة للطاغية السوري كافية لأداء المهمة الوحشية والبشعة، ليخرج علينا أوباما بعد كل هذه المآسي الإنسانية ويقول إنه يشعر بالقلق، وذلك بعد سنوات عاصفات من الحرب الكارثية غير العادلة أو المتكافئة التي ما تزال تستعر بسوريا الشعب، سوريا الأحرار، سوريا التاريخ العتيق والجغرافيا المباركة.
ولقد ترك أوباما منطقة الشرق الأوسط لقمة سائغة لأطماع الإيرانيين وأسيادهم الروس، تماما كما سبق له أن تخلى عن أوكرانيا وتركها لمصيرها الروسي، بل وترك الصين "تُبَرْطِعُ" في عرض البحار، ليترك عبئا ثقيلا على المستوى العالمي لخليفته الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، الذي فاز ونال ما أراد بشِق الأنفس، برغم أنف كل وسائل الإعلام الأميركية، التي قدمته للعالم كمهرِّج وبهلوان، بينما كان هو يعد الأميركيين بإعادة الولايات المتحدة إلى هيبتها وإعادة هيبتها إليها.
ونذكر أنه عندما انطلق أوباما في جولته الأولى في العالم في 2008 كان قد ألقى خطابا في المنطقة قال فيه إنه يسعى لمصالح مشتركة واحترام متبادل ما بين الأمتين الأميركية والإسلامية، لكنه الآن يوشك أن يغادر الأبيض وقد ترك المنطقة العربية برمتها تحترق بنيران أربعة حروب مستعرة، بعد أن أسهم في انزلاق الأمة في مستنقع الفوضى الخلّاقة التي سبق لوزيرة الخارجية الأميركية السابقة كونداليزا رايس التبشير بها في 2006.
إذاً، يمكن تلخيص القول بالقول، إن أوباما الوفي لإيران، أوفى بخدمة تاريخية إليها بوصفها راعية العالم الإسلامي الشيعي، وذلك على حساب العلاقة التاريخية الأميركية مع راعية العالم الإسلامي السُني مُجَسَّدَة بالسعودية، بل وعلى حساب العلاقة الأميركية الأزلية مع إسرائيل، آخذين بالحسبان أن الأخيرة تخشى من امتلاك إيران للسلاح النووي أكثر ما يكون.
ويبقى التساؤل: هل حقا تمتلك السعودية قنابل نووية إستراتيجية تزعم أنها ابتاعتها من باكستان، باعتبار أنه سبق لها تمويل مشروع السلاح النووي الباكستاني؟ وهل نأمل في أن تستيقظ تركيا لمواجهة الزحف الإيراني الفارسي بعد أن يكاد الهلال الشيعي يطبق أنيابه على المنطقة برمتها؟ وهل يا ترى ستبقى الجارة الإسرائيلة صامتة حتى يأتيها الطوفان الإيراني على حين غِرّة؟ وأما ما تبقى من مناطق العُربان، فربما لا كبير حول لها ولا قوة، آخذين بالحسبان أن نظام مصر السيسي يتجه لمحاولة معانقة المعشوقة الإيرانية الفارسية، نكاية بالمحبوبة العربية البدوية، و"أرزِّها المِتَلْتِل".
ثم هل يُطبق الفُرس على مكة المكرمة وينثروا حجارة كعبتها المشرفة أو على المدينة المنورة فيعيثوا بحرمها وحرماتها فسادا، بحيث لا يكون بأيدنا من حِيلة سوى ترديد القول "للكعبة رب يحميها" ونِعم بالله، بكل تأكيد، وبطبيعة الحال.
أم هل سرعان ما نرى المنطقة وقد وجدت نفسها مضطرة لإقامة تحالف عربي إسلامي إسرائيلي أميركي، لمواجهة الزحف الإيراني، وذلك في ظل قدوم رئيس أميركي جديد ممثلا بالعم دونالد ترمب، فأوباما باع المنطقة لبوتين وإيران، والنار تكاد تشتعل بالشرق الأوسط كالنار بالهشيم، نار فارسية صفوية ملتهبة، نار الجارة الحاقدة التي طالما منحناها الثقة على مر الزمان، لكنها تبدو كما الثعلب والبحر والزمان، شيمتها من شيمهن مُجتمِعات، الغدر والخداع والمراوغة!