ليس من الضروري ان نذهب بعيدا الى انتخابات دائرة القدس في الخمسينات ، ليتبؤأ الشيوعي الكركي يعقوب زيادين مقعدا في مجلس النواب بأصوات المقدسيين ، ففي العهد القريب وفي الانتخابات عالية الطيف عام 1989، كان مطير البستنجي ينتزع مقعدا سهلا باصوات عشرة آلاف من الكركيين متقدما على شخصيات رائدة في العمل السياسي ومن عوائل كركية رائدة كذلك ، دون ان تكون حسابات الامس هي حسابات اليوم |، وكان من مرشح مثل فريد فريج ان يحصل على اعلى الخاسرين في دائرة المفرق وعشائر بني حسن ، ومثله محمود الناطور في دائرة القرى المتفتته في لواء الكورة الفقير ،والذي جاء في عدد الاصوات لاحقا لحفيد كليب الشريدة..!
مضى مجلس عام 1989 وتخلله الميثاق الوطني العام ، ولم يكن الأردنيون مهتمين بالمطلق بأصول المجلس الذي ارتضوا به في ذلك العام ،ارتضوا به كنموذج بالفعل من شتى الأصول والمنابت ، خرجت محافظة اربد يومها بدائرتها كاملة – رغم تعدد أصول اربد المدينة يومها ووجود مخيمين بها - من غير اي نائب باصول فلسطينية دون ان يترك هذا اي تداعيات على اهل المحافظة التي عادت لتندمج في حرب الأصول اليوم ، كان النائب ابن قرية كذا ، يفتخر انه يمثل مخيم كذا في المنطقة كذا وهو من أصول أردنية ، ظل هذا سائدا الى ان بدأت لعبة الحكومات الأردنية المتوالية التي كادت ان تصيد الشعب في مصيدة ذاته ، ونجحت الحكومات التي أعقبت مجلس نواب الصوت الواحد في جرّ الأردنيين إلى لعبة هزيلة كهذه..!
لن يغيب عن ذاكرتي حدثان مهمان اشرت لهما مرارا ، تبعا تشكيل حكومة طاهر المصري بعيد حرب الخليج ، الأول هو لعبة الإعلام الذي لم يكن بالحر يومها بالمطلق ، في الحديث عن الأصول ، ونحن نعرف يومها انه لم يكن ثمة ما يستدعى ذلك ، فليس المصري يومها بالرئيس الاول ولن يكون الأخير من أصول غير شرق أردنية ، بالعكس الشائع في حكومات الأردن ان رؤوسا الوزارات أكثرهم من غير أصول أردنية ، لكن تم استفحال ذلك على نحو غريب ، وكنت ترى نواب لا يحسنون إلا ( البصم ) يشاركون في مذكرة حجب الثقة عن الحكومة ، وانزلقت الحركة الإسلامية التي اشتمت رائحة مؤتمر السلام في ذلك فدعمت ذلك ، وسقطت الحكومة التي كان رئيسها قد أعلن مرارا وتكرارا انها لن تكون حكومة مؤتمر سلام ، المهم سقطت الحكومة ولم يكن ينقص الدولة الأردنية أسماء كبار من عشائر كبار يتولون إدارة مؤتمر مدريد نيابة عن رئيس وزراء من أصول فلسطينية ، لم يكن هذا صعبا ، وكل وزير او رئيس جامعة او مسئول بهذا الحجم ، ينتظر ان يكلف بتشكيل الحكومة باي لحظة بغض النظر عن اجندة تلك الحكومة..!
كان هذا هو الحدث الاول ، وفتت الحكومة الشعب بقانون الصوت الواحد الممتد الى اليوم ، وخرج بعد اول انتخاباب وهو الحدث الثاني ، وزير خارجية حكومة الانتخابات، يعلن رسميا عشية اعلان نتائج الصوت اليتيم ان (13) نائبا من اصل فلسطيني فازوا بانتخابات مجلس النواب الاردني..!
لم يكن معالي الوزير يومها مضطرا ان يذكر الاصول الفلسطينية بحصولهم على حصة بالتأكيد لا تساوي حجمهم الطبيعي في البلد ، وليس المطلوب ان تساوي حجمهم الطبيعي بالتأكيد ، لكنها لعبة الحكومات التي بدأت وأريد لها ان تستمر ، وهي اليوم مستمرة..!
منذ ، انتخابات الصوت الواحد والحكومات الاردنية تروج للاقليمية على طريقتها الخاصة ، ولا يمكن القول بان نقيض الإقليمية هو تنامي الحس العشائري من جديد ، فهذا ليس دقيقا ، لكن منذ ان قررت الحكومات الاردنية إنهاء دور مجلس النواب السياسي ، الذي عاندها في اتفاقية السلام وعاندها في إقرارها لقوانين الحُزم الاقتصادية المتوالية التي تجلد المواطن ، فقد قررت ان تكون العصبيات الفئوية سواء إقليمية او عشائرية هي ، المعمل الذي يضمن بقاء مجلس نواب كالذي تبغي..!
واليوم والسياسيون ينفخون باعلى أصواتهم لإفشال الانتخابات الرديف لهذا المشروع ، ربما تنجح الانتخابات ، لان الحكومة قد نجحت كما سلفها في أن تقرّ بأن للدوايمة نائبا كما للوزيين نائبا ، وكما للعجورين نائبا فللعدوان نائبا ، وكما للديربانين نائبا فللعجارمة نائبا..!
كيف يخسر الفلسطينيون مقعدا كان في المجلس السابق لهم في اعلى اصوات دائرة اربد ، ولا تتكرر تجربة عام 1989 التي كانت مثالا وطنيا فصارت ، عيبا ، كيف يخسر العبدلات مقعدا لصالح مرشحا فلسطينيا في احدى دوائر عمان ، كيف فاز اثنين من ابناء العمومة (الكوز ) في عمّان واثنين من ابناء العمومة (المجالي) في الكرك ، وكيف يخرسوهما اليوم بالمقاطعة ، فلا مقاطعات في خضم هذا الوهج العصبي القائم، ولماذا نقاطع اذا كنا سنسلم بالمقعد للضد المفترض..!
كل هذه الوسوسات التي خلقتها حكوماتنا الرشيدة ، تجعل عنصر المقاطعة نادرا ، مما يضمن بقاء انتخابات نشطة لكنها فارغة ، باعت الحكومات الوحدة الوطنية في سبيل تغيّب الشعب ، وقبل الشعب بتناقضاته هذا الدور ، وسوف يشارك الكثير من السياسيين في هذه الانتخابات ، تحت أتون الإقليمية والعنصرية الرديئة التي تضمن عدم الإقصاء المزعوم ، الذي خوفتهم منهاالحكومات حال لسان وزير الداخلية الذي أعلن ذات انتخابات فوز 13 نائبا من أصول فلسطينية ، وكأنه يوجه رسالة تحفيز ما ، ولا يعلن عن رقم ، وهو الذي ما كنا نسمع به بالمطلق قبل ذلك..!
اليوم للسياسيين السابقين رائ في هذا البلد ، وللمتقاعدين العسكريين رائ أيضا ، وللأحزاب التاريخية رائ آخر ، تتقاطع كلها اليوم على ان ما تمرره الحكومات تباعا ليس من مصلحة الوطن ، وان صناعة الإقليمية هي أجندة سياسية كذلك ، وراءها ما وراءها ، وان الضحية هي هذا الأردن المكلوم بالكثير من الرموز وصناع القرار..!