دون كيخوت هو رجل ابن بلد إسباني طويل ونحيل ، وهو متوسط الحال يعيش في إحدى القرى ، مغرم بالفروسية وكاد أن يفقد عقله بسبب الانفصال ما بينه وبين الحياة الواقعية ، فقد بلغ الهوس به حداً جعله بفكر في أن يعيد دور الفرسان الجوالين وذلك بمحاكاتهم والسير على نهجهم حين يضربون في الأرض ويخرجون لكي ينشروا العدل وينصروا الضعفاء، ويدافعوا عن الأرامل واليتامى والمساكين ، ولكنه لنبل هدفه إلا أنه لم يحسن اختيار السلاح المناسب وعندما أراد الخروج استدعى سلاحا قديما متآكلا خلفه له آباؤه ، فأصلح منه ما استطاع ، وتدرع بدرع قديم ، ولبس خوذة وحمل رمحاً وسيفاً وركب حصاناً أعجف هزيلا.ً
رغم نبل الهدف الذي تحصن به كيخوت إلا انه لم يحسن تجهيز نفسه لهذه المعركة ، ولم يستطع تأمين ما يلزم لتحقيق هذا الهدف ، وهذا قد يجعل النتيجة محسومة سلقاً ، ولكن كل ذلك لم يكن ليمنعه من أن ينصب نفسه فارساً متجولاً برفقة فلاح بسيط من جيرانه ، معتقدا أن من واجبه الإنساني محاربة الظلم والظلام في كافة بقاع الأرض .
في هذه الانتخابات الكثير من دون كيخوت الذين نصبوا أنفسهم فرساناً في زمن اختفى منه الفرسان ، وتحولت الروايات والحكايات البطولية التي تروى عنهم إلى قصص للأطفال تحكى لهم قبل نومهم ، ويتسلى بها الكبار أثناء مللهم ووقت فراغهم ، وتحولت رموز البطولة والفروسية لديهم إلى سيارة مرسيدس ، وفيلا، ومزرعة ، ومنصب حكومي رفيع ، أو رصيد في البنك .
لذلك لا تعجب على زمن يوجد فيه الآلاف من الكيشوتين الذين لديهم انفصال بين أنفسهم وحياتهم الواقعية ، ويعتقدون أنه مازال بإمكانهم الخداع والمراوغة وتضليل الرأي العام وأفراد المجتمع ، ومازالوا يعتقدون ويؤمنون بمحاربة طواحين الهوا والرغبة في تحقيق الانتصار عليها ، وحتى لو تم ذلك فإنه لن يكون بأسلحة قديمة متآكلة .
ففي عصر الانترنت والمعلوماتية تحول دون كيخوت ورفاقه إلى لعبة إلكترونية ، تدار من قبل صبي لم يتجاوز 10 سنوات يتعلم عليها فنون القتال ويتعلم منها أساليب الحرب وفنونه ، ويحلم بأن ينتصر على طواحين الهوا ، وللحين ما تزال الفرصة مواتية أمام شباب الوطن لضم الكثير من أمثال الدون كيخوت إلى قائمة الألعاب الإلكترونية ، لو أحسنوا تحييدهم في هذه الانتخابات ، وأخرجوا جيلاً جديداً من وصفي التل .
الدكتور إياد عبد الفتاح النسور
Nsour_2005@yahoo.com