العامل الحاسم في نجاح الحكومات يكمن في بقائها قريبة من نبض الشارع
اسوأ ما يحدث للحكومات ولمن يتولى موقع المسؤولية هو الخضوع لاعتقاد واهم بان سياساتهم تحظى بتأييد شعبي وقبول عام, بينما هي عكس ذلك في الواقع.
والمشكلة هنا ليست في السياسة ذاتها فهي اما غير مفهومة بالشكل الصحيح او انها لا تخدم المصلحة العامة ومن وجهة نظر الرأي العام. المشكلة هي في الانطباعات الخاطئة التي تتولى لدى المسؤولين عن اتجاهات المجتمع.
واسوأ ما يمكن ان يفعله المسؤول لجعل الانطباع الخاطئ حقيقة هو المكابرة واللجوء الى اسلوب الحشد والتعبئة الاعلامية والسياسية لاظهار التأييد المزعوم لسياسته وذلك على نمط الانظمة الشمولية التي توظف أداواتهاالاعلامية للترويج والخداع ثم تكتشف مع مرور الوقت بانها تخدع نفسها..
وفي الاوساط السياسية والاعلامية هناك على الدوام فئات متخصصة بخداع المسؤولين وايهامهم بان سياساتهم صائبة ويؤيدها الناس وان من ينتقدها هم مجرد اقلية »معزولة ومعادية للوطن ومرتبطة بالخارج«.
ثمة مسؤولون كثر ناموا على هذه الاوهام لكنهم افاقوا على وقائع مغايرة عكستها نتائج استطلاعات الرأي وتعبيرات شتى للقوى الاجتماعية اظهرت كم هي سياساتهم معزولة وبان وسائل الحشد والتعبئة لم تزد الناس الا معارضة.
نظرة المجتمع السلبية للسياسات لا تفرض على المسؤولين تغييرها لكن العامل الحاسم في النجاح هو في بقاء الحكومات قريبة من نبض الشارع لان ذلك سيوفر لها فرصة الشرح والتوضيح والتصويب اذا اقتضى الامر.
اود ان اشير هنا الى تجربة التعامل مع ملف »سكن كريم« فكرة المشروع لقيت ترحيبا واسعا عن طرحها لكن خطة التنفيذ ثار حولها جدل واسع. رفض المسؤولون في حينه الانتقادات الموجهة للخطة وحاولوا بشتى الوسائل منع وسائل الاعلام من انتقادها وفي كل مرة ظهرت اصوات منتقدة وكانت الحكومة تحرك اخرين للتصدي لهذه الاصوات ليس للدفاع عن الخطة فحسب انما التشكيك بولاء وطنية المنتقدين, واتضح لاحقا ان كل ما ذكر من انتقادات كان صحيحا وها هي الحكومة الحالية تستعد لاعادة هيكلة المشروع برمته في محاولة لانقاذه من الفشل. لو استمع المسؤولون في حينه للاصوات الاخرى وتجاهلوا اصوات المطلبلين لاختصروا علينا وعلى انفسهم اعباء كثيرة وحققوا انجازات في وقت اقصر.
في السياسة والاقتصاد هناك امثلة كثيرة يمكن سردها على العواقب المترتبة على تجاهل نبض الشارع والامعان في اقصاء الرأي الاخر والاستخفاف بتوجهات الرأي العام تتبدى في وضوح بنتائج استطلاعات مركز الدراسات الاستراتيجية التي تظهر كل مرة اتساع فجوة الثقة بين الدولة والمجتمع.
نأمل ان تتعلم الحكومة الجديدة الدرس من تجارب السابقين وتصغي لنبض الشارع وتبقي مجساتها في حالة تيقظ دائم. ولا تغرق في بحر من الكلام المعسول دأب البعض على ترديده على مسامع حكومات سابقة فأوصلوها الى قاع البحر.0