زاد الاردن الاخباري -
سؤال طرحه الكثيرون ضمن فئات اجتماعية فقيرة وأخرى مكتفية وهو: في ظل هكذا انفلات في أسعار الخضار وتصاعدية متوقعة في أسعار مواد أساسية، لماذا تتأخر الدولة في إعادة وزارة التموين، وإصدار قانون حماية المستهلك، وإعادة النظر في منظومة ضريبة المبيعات على المواد الغذائية والأساسية!؟
إن الصورة مرئية ولا تحتاج الى توضيح أكثر .. وبالأمس القريب تناولت وسائل الإعلام تصريحات نقيب تجار المواد الغذائية الذي أكد على موجة ارتفاع أسعار مواد أساسية في الأسواق العالمية وانعكاس الوضع على الأسعار المحلية خلال أسبوعين محليا. ولكن الملاحظ أن التأثير في أسواقنا بدأ فوريا! وفي متابعة لتذبذب بورصة الخضار والفواكه، فإنها تؤكد على تواصل اتجاهاتها التصاعدية .. وبمقارنة تحليلية لأسعار المواد الاستهلاكية والأساسية في الأسواق المحلية، فإننا نخلص الى وجود انفلات في أسعار العديد من المواد الاستهلاكية التي أصبحت مرتبطة بمزاجية التاجر، بدلا من التكاليف الفعلية، مضافا اليها هامش ربح بنسب مقبولة!!
وقفة بتمعن أمام هذا الوضع يقودنا الى طرح استفسار هو: هل حان وقت العودة الى الاقتصاد الموجه بدلا من ترك الأمور لقوى اقتصاد السوق نظريا، وأن الواقع هو احتكار في واحدة من صوره، واستغلال غير مقبول في صورة أخرى، وفوضى سوقية يدفع ثمنها مواطن لا حيلة أمامه سوى الرضوخ والاستدانة، في سبيل ان يوفر أقل من الحد الأدنى لمتطلبات عيشه ومسؤولياته المتزايدة؟!
لا يختلف اثنان على واقع يعكس توجهات الحكومة نحو التخفيف من تفاقم المديونية، التي بلغت ذروتها بنسبة 55 % فأكثر، من الناتج القومي الإجمالي .. وارتفاع العجز في الموازنة! ولقد أوشكت السنة الحالية 2010 على الانتهاء، وربما سيكون هناك تحسن في صورة العجز، لكن للأسف يقابله عجز غير مألوف في موازنة المواطن والعائلات في الفئات الاجتماعية المختلفة!!
ورغم كل التحوطات والإجراءات المتخذة، لإنقاذ الوضع الاقتصادي، فإن المطلوب هو برنامج تصحيح اقتصادي محدد زمنيا، وأن يحقق التوازن بين رؤية الحكومة في تحسين صورة الميزان التجاري وميزان المدفوعات وبالتالي الموازنة العامة، وبين أوضاع السوق والمؤثرات الخارجية والداخلية في بورصة أسعار المواد الغذائية الرئيسية، وإسقاط ضريبة المبيعات عن المواد الغذائية، واستبدالها بما يسمى "ضريبة خدمات الأطعمة والضيافة" وحصر تطبيقها على الفنادق والمطاعم في المستوى الذي يطلق عليه "خمس نجوم" بهدف تحقيق دخل مالي للموازنة العامة، ولكن من جيوب الأغنياء ورجال الأعمال، بدلا من الفقراء وعامة الناس!!
وبكل بساطة، يطالب المواطن العادي قبل المتعلم أو المتفحص، بوضع برنامج عمل، يقوم على تحديد معالم الخطة الحكومية لمعالجة الوضع الحياتي.
وفي كل إجراء تتخذه الحكومة لفرض ضرائب اضافية، لا يكتفي المواطن بنغمة "أن الزيادة في الضرائب لم ولن تم تمس الخبز"! وفي الحقيقة، أي حكومة في دول العالم النامي، والأردن جزء في منظومته، لا تدعم الخبز!؟ وماذا يعني ذلك بالنسبة لغالبية الفئات السكانية، التي يشكل الفقراء فيها
80 % فأكثر، وبورصة اسعار الخضار والفواكه دائمية في صعودها الى مستويات تجاوزت الضعف .. إضافة الى مضاعفة أسعار العديد من المواد الاساسية وتكاليف الخدمات محليا!؟
عمليا، يصعب على المواطن الكادح، جدولة ميزانية نفقاته، بسبب تزايد الاعباء امام متوسط الدخل النقدي الذي يحققة، نتيجة لعدم ثبات الأوضاع في السوق حتى في مواسم الانتاج، وهكذا وضع له انعكاسات سلبية جدا، على قدرة المواطن في وضع استراتيجية، لطريقة حياته وترتيب أولولياته واستقرارها.
يتفهم المواطن واقع المديونية والعجز في الموازنة، وفي عودة الى التاريخ لمقارنته مع حاضر الأمور، فإن المواطن تعود على قصص الدعم من جهة، وفرض الضرائب من جهة اخرى، ولكن المرحلة التي يمر بها الان، لم يعد باستطاعته التفريق بين الحالتين، لان الضرائب المفروضة على بنود حياتية معينة، هي الاساس في متوالية ارتفاعات اسعار لمدخلات منتجات استهلاكية .. وبالتالي، فإن المواطن فعليا يدفع الضريبة مرتين، الاولى مباشرة لشراء سلعة يحتاجها في حياته اليومية، بضريبة عالية ومزدوجة، والثانية بشراء سلع ذات طبيعة استهلاكية متكررة، تأثرت اسعارها بفرض الضرائب التصاعدية على الاولى!! وأن هامش الزيادة في مدخلات الإنتاج، يبقى قائما منذ اللحظة الاولى، لاحتساب التكلفة الإجمالية على المنتج، الى لحظة وصولها الى المستهلك وبطريقة تراكمية! وأن الزيادة المطردة في تكاليف الأيدي العاملة المستخدمة في العملية الإنتاجية، ومقدار الربح الذي يقرره المنتج وتاجر الجملة والقطاعي، يتم احتسابها على أساس نسبة مئوية من التكلفة الإجمالية لمراحل الإنتاج والترويج والبيع، لغاية وصول السلع الى أيدي المستهلكين!!
ويبقى من القول .. أن الأسواق في حالة انفلات، والتدخل ليس فقط مرغوبا وانما مطلوب، وأن المنهجية الاقتصادية التصحيحية التي تعمل الحكومة على تطبيقها، يمكن أن تؤتي ثمارها، ولكن الاساس ان لا تكون أحادية الجانب، ويتطلع المواطنون الى قيام الحكومة بوضع منهاج أو برنامج تصحيح، وربما نسميه "خطة إنقاذ" لأوضاع السوق وضبطها، بما يكفل عودتها تدريجيا ولكن بشكل متسارع الى الوضع الذي يجب أن تكون عليه، حتى تستطيع فئات المجتمع، معرفة البعد الزمني لشد الأحزمة على البطون .. ومتى يأتي الفرج بإجراءات وقوانين تضبط انفلات السوق؟
مثقال عيسى مقطش / الغد