تتزايد التسريبات عن مفاوضات جانبية ترسم أطر الحلّ في الكواليس من وراء ظهر المواقف المعلنة والتصريحات المكرسة للاستهلاك العام.
والمصادر التي ترسم سيناريوهات الحلّ كما هي العادة اسرائيلية أساسا، وسرعان ما تلتقط عندنا كمراجع موثوقة مع أنها جزء من اللعبة السياسية الاسرائيلية، وأحيانا مجرد إثارة وغواية إعلامية تملأ الفراغ بغياب أي تطورات حقيقية على الأرض. والوقائع على الأرض تقول إن مسافة ضوئية تفصل بين برنامج الحكومة الاسرائيلية وأي شروط معقولة للحلّ.
أقصى ما تحقق من تقارب ما تزال تمثله وثيقة جنيف (يوسي بيلين وياسرعبد ربّه). ويوسي بيلين وفريقه كانوا يمثلون يسار حزب العمل، الطرف الأضعف والأقلية المتواضعة في الخريطة الاسرائيلية التي مالت منذ ذلك الحين كثيرا الى اليمين واليمين المتطرف، فأي قواسم يمكن أن يجدها الجانب الفلسطيني مع حكومة نتنياهو التي لا تريد التنازل عن شبر من القدس وترفض فتح موضوع اللاجئين من الأساس وتواصل الاستيطان ولا تقبل حتّى تطبيق المراحل الأولى من خريطة الطريق التي تقضي بإعادة بسط السلطة الفلسطينية على المناطق التي انحسرت عنها منذ العام 2000.
التسريبات الاسرائيلية غالبا ما توفر المادّة لوضع السلطة الفلسطينية وعباس تحت الشبهات، وتوفر الذخيرة الدائمة للاتهامات بالتواطؤ والتآمر لقيادات السلطة التي تعمل تحت جنح الظلام بينما في الحقيقة وعلى الأرض وعبر السنوات لا يتحقق شيء على الإطلاق والنتيجة الحقيقية الوحيدة هي إضعاف السلطة الفلسطينية سياسيا ومعنويا وتهشيم صورتها أمام شعبها، بينما في الحقيقة أن المواقف المعلنة للقيادة الفلسطينية والأخبار الرسمية المعلنة عن مواقف الأطراف والقضايا التي تعيق استئناف المفاوضات تمثل حقيقة الموقف كما ظهر بالنتيجة وعلى الدوام، وهذا في الحقيقة ما كان يحدث أيضا على الجبهة السورية مع أدنى تحرك، إذ تملأ التسريبات الاسرائيلية عن سيناريوهات وتفاهمات يبني عليها المراقبون التحليلات المشوقة ثم ينتهي كل شيء بلا نتيجة، لأن الحقيقة موجودة بالفعل فوق الطاولة بينما يجهد البعض بالتفتيش تحتها.
مؤشرات اقتراب الحلّ سنراها في العلن عندما يمتلك المجتمع الدولي الإرادة بممارسة الضغط الفعّال على اسرائيل، ومواجهة التعنت الاسرائيلي بإجراءات عملية من نوع ما طالبت به السلطة الفلسطينية على سبيل المثال باعتماد الأمم المتحدة قرارا من نوع الاعتراف بدولة فلسطينية وعاصمتها القدس واعتماد خطوط الرابع من حزيران حدودا للدولة الفلسطينية، وليس صدفة انه كلما اشتدت التحركات الدولية تكثر التسريبات عن سيناريوهات لصفقات محتملة تحت الطاولة لتنفيس الضغوطات وتحويل الأنظار.
وعلى الوتيرة نفسها، باعتماد التسريبات الاسرائيلية يجب على الفور تصديق رواية "الجيروزاليم بوست" عن وقوف إيران وراء التفجير الذي استهدف سيارات الدبلوماسيين الاسرائيليين قرب العدسية الخميس الماضي، فقضية إسرائيل تحويل الأنظار إلى إيران بأي ثمن وهي تتحرق شوقا للحظة توجيه ضربة عسكرية لها. وحسب مزاعم الصحيفة فإن "الأمن الأردني يحقق في احتمال قيام دبلوماسيين إيرانيين بتهريب المتفجرات التي استخدمت في هذا الاعتداء وأن الأمن يعتقد بأن التفجير جاء رداً على تصفية عالم الذرة الإيراني البروفيسور مسعود علي محمدي في طهران قبل أسبوع!". وقد نشرت مواقع إعلامية هذا الخبر المفبرك، ويبقى أن يسارع المحللون الى اعتماده!