تصاعدت وتيرة الإنتخابات, وارتفعت الحماسة صعودا ملموسا, وكلهم يسعون لنفس الغاية, النجاح والفوز, وكثيرا ما يعلنون أنهم يريدون النصر,, لعله مجازا يمكن إستعمال كلمة النصر, لأن المنطق المفروض يقول كلهم منتصرون, الناجحون وغير الناجحون, وان كان الواقع يقول أن هنالك ما يقارب 900 مرشح للنيابة, سينتقل منهم للمرحلة الثانية فقط 110, والباقون سيذهبون أيضا الى العبدلي, الى مجلس النواب, ولكن كضيوف و زوار ومراجعون لا أكثر.
بطبيعة الحال تكثر النقاشات من باب المفاضلات بين المرشحين, فهذا خدم أكثر من ذاك, وهذا قادر على الخدمة أكثر من ذاك, والمرشح س يُعتبر مُرشح وطن أكثر من المرشح ص الذي لا يُعرف إلا في دائرته فقط, وهذا أخذ حظه وهذا آتى دوره وهذا يستحق وذاك لا, وكلها مفاضلات أراها منطقية وطبيعية متناغمة, وإن كان كثيرا منها ينطلق من قاعدة كلٌ يغني على ليلاه, ولكن اكثر ما يثير حُنقي, ويجعلني أخرج عن صمتي وعدم قبولي إن كانت الأرضية للمفاضلة بين المرشحين, هي عندما تُسحب قاعدة الدين الإسلامي إتباعا ظاهريا على بعض المرشحين , إستئثاراً من مؤيديهم دون بقية المرشحين, وكأن هذا المرشح إسلاميا ومنافسيه كفرة أو زنادقة أو أتباع ضلالة .
نعم إنه أمر خطير ومُزعج , ولا يأتي إلا من باب الجهل بالدين الاسلامي عقيدة وفكرا وفلسلفة وتاريخا من زمن الرسول الاعظم عليه الصلاة والسلام, مرورا بسلفه من أصحابه وتابعيهم, فحين تكون لغة تلمس التأييد وشحادة الأصوات, لغة إرضي ربك بصوتك ولا تجعله يغضب عليك أو منك, أو صوتك آمانة فأعطه لمن يعرف الله عز وجل, ولا تجعل صوتك بلاء يصيب أهلك وأولادك, نجد أن هذه اللغة لغة سخيفة ولا يتبعها الا السخفاء, لأن إرضاء الله عز وجل في كل مناهج وأبواب حياتنا, ونعم الصوت الأنتخابي أحدها, ولكنه ليس باب إخراج من الملة, وباب يُنزل من ورائه غضب الله على من لم يصوت لذلك الملتحي او تلك المتخمرة وراء غطاء .
لا يخوض الانتخابات الا طالب مصلحة لنفسه أولا, ومن ثم لغيره, فلا يمكن أن يترشح لها زاهد في الدنيا, ولا يمكن ان يكون مرشحا للنيابة من نذر نفسه وماله وحياته لله وحده عز وجل, بل كلهم طامعون, ولا أرمي الطمع هنا من باب الإنتقاص أو الذم, بل من باب واقع الحال وطبيعة البشر, أما أن يقال صوتك لهذا الشيخ أو تلك الشيخة, لإنك ان لم تصوت لهم تكون قد أغضبت ربك وفوتَ على نفسك فرصة نيل رضاه, فهذا أمر لا نقبله جملة ولا تفصيلا, فالدين ليس لعبة ولا سلعة يُتاجر بها, فالأخلاق سبقت الدين في نزولها, وحين قال الذي لا ينطق عن الهوى :" إنما بُعثت لأُتمم مكارم الأخلاق ", لم يكن من عبث ولا تفضيلا لواقع على واقع أخر, وتذكروا حين كان الخلفاء يُعينون الولاة والقادة, لم يختاروا أكثرهم حفظا للقران ولا أكثرهم علما بأُصول الفقه ولا أزهدهم, بل كانوا يختارون أقدرهم على إدارة شؤون العامة, وأكثرهم تبصرا بحاجاتهم, ولا أعني هنا نزع الصفة الدينية عنهم, ولكن ليس تصرفاتهم أو أشكالهم الاسلامية هي الأس الأهم في عملية إختيارهم, ألم يطلبها أبوذر من عمر بن الخطاب, فلم يقبل الفاروق وقال إنك رجل في غلظة, وهو هو, ولا تنسوا أنهم كلهم خطاؤون وليس منهم وفيهم معصوم, إلا إن كنا نبحث عن عمائم وآئمة معصومون فتلك طهران تناديكم .
القانون الأروع: طالب الإمارة لا يؤمر, كيف لا يقاس به, الدولة لها رجالها ولها روافدها المُسيرة لها دون معصية للخالق ظاهرة لنا بائنة, فلسنا من يفتح القلوب ليعلم الخبايا, أما أن يكون المظهر الاسلامي المُتدين وسيلة لإقناع الناخبين بالتصويت, فهؤلاء تجار الدين الذين خسئت أعمالهم وهم يظنون أنهم يُحسنون صنعا, نعم وآلف نعم لا ضير بين رجل دولة متمرس خبير وصاحب خُلق اسلامي ملتزم ظاهر لنا, هذا والله ونعم الرجل أن نُصوت له ونختاره, أما نقول هذا رجل دين يؤم الناس في المساجد فهو أفضل من ذلك وأقدر منه فقط لانه ملتحي وإماما للمصلين, فهذا ورب الكعبة الذنب بعينه, لإنك تقدم للدولة وخدمة المصلحة العامة للوطن وللمواطنين من لم تلتمس فيهم المقدرة على ذلك, ولكم أعجبني الحوار الذي دار بين رجلين إلتقيا متعاكسين في المسير أثناء حرب عبدالملك بن مروان مع عبدالله بن الزبير في طلبهما للخلافة, فسال رجل الاخر وقال له : أنت رجل علم ودين, فمن تراه الأنسب لهذا الأمر ( ويقصد الخلافة ), فاجاب العالم علما ودينا فقهيا : عجبت لأمر رجلين إختلفا, أحدهما على حق ولكنه يفرق الأمة( ابن الزبير) وآخر على باطل ولكنه يوحد الامة ( ابن مروان), ولكنني مُجتهدا في آمري مع الامة في وحدتها وطلبا لقوتها , فأنا سائر الى ابن مروان أقاتل معه ابن الزبير.
نعم سادتي الكرام, خدمة الوطن واجب على كل واحد فينا, ومن يرغب بحمل الأمانة فليكن على قدرها وآهلا لها, ولكن لتكن أسلحته علما وخبرة وحكمة مع الايمان, أما الايمان وحده لا يكفي , لهذا قالوا ان فضل العالم على العابد كبير جدا, فلا تتلاعبوا بنا وتبيعوننا أحكام ديننا مصمتة مفرغة من فحواها ومعناها الحقيقي, فكلهم على خُلق وكلهم أهل دين وإلتزام يعبدون الله ويسعون لمرضاته بما علمناه عنهم ظاهراً, أما من يجعل زكاة أمواله التي يدفعها( حق فرضا عليه ) أو يُساهم في توزيعها وإيصالها الى مُستحقيها (مأجورا أو مُتبرعا ) هي عنوان قوته وأحقيته في أن يُصوت له دون غيره, فهذا والله منافي لأسس الدين وتعاليمه السمحة, إن كان إرضاء ربه غايته ولا غاية له غيرها, فكل الطرق تؤدي الى ذلك أفضل وأبعد شبهة عن طريق كرسي النيابة وحب الحصانة وفرصة الوزارة, فاتقوا الله في أنفسكم أولا ثم في غيركم ولا تمر عليكم الاعيبهم وخدعهم وأساليب تحقيق طموحاتهم الخاصة, ولا تُحَكموا نص الحرف الاسلامي وتتركوا روحه , فهذا ما جعل الخوارج خوارج أساسا.
حازم عواد المجالي