يُصْدَمُ المواطن الأردني في هذه الأيام من مصداقية الشعارات التي يُتحف بها المرشحون آمال المواطن؛ فالكثير منها إن عبّرت عن شيء فإنها تعبِّرُ وتشير إلى سذاجة من تبنّاها لتكون إطارا لصورته البهية من حيث بُعدها عن الواقع أو المنطق، أو من حيث عدم معرفة المرشّح لحجم النائب وصلاحياته ودوره تحت القبة فيما لو نجح‘ والأهم من هذا وذلك هو ضحالة فكر المرشح في نظرته إلى المواطن واعتقاده واهمًا أن مثل هذه الشعارات تنطلي على الناخب؛ فالناخب عزيزي المرشح يفوقك علما وثقافة ودراية فبدلا من استغبائك له من خلال طرحك الفجِّ فإنه يستغبيك بفطنته وخبرته. فبعض الشعارات تحمل في طياتها وعودا طوباوية أو خيالية لاتستند إلى حاضر ولا إلى ماض ولا إلى مستقبل، في حين يعزف بعضها الآخر على لحن عفن نتن يفرق ولا يجمع، مشفوعا ببيان انتخابي يفصِّل الموجز ويكشف المستور؛ كأحد مرشحي إربد الذي يسطِّر في سيرته الذاتية عنترياته الخشبية في زمن مضى وولّى‘ وياليتنا رأينا مثل هذه العنتريات على أرض أخرى غير الأردن. لننتقل إلى شعارات سطحية الطرح، صعبة المنال، في ظل هذا الوضع المتردي، تصلح لأحلام اليقظة وتشبه الوعود باستخراج النفط من البحر الميت، أو بتحرير فلسطين من النهر إلى البحر كما روي قديما عن أحدهم. لذا، فكثير من هذه الشعارات عبارة عن طبول جوفاء تشير إلى مستوى من يتبناها حيث يريد منها دغدغة العواطف والتلاعب بالمشاعر. وأما بعضها الآخر فهي صالحة جدا لمعلمي اللغة العربية الذين سيجدون عناوين جاهزة لمواضيع الإنشاء وخاصة فيما يتعلق منها بالمرأة ودورها، أو بالقضية الفلسطينية. في حين يناسب بعضها الآخر كتاب الأعمدة في الصحف والمواقع الإلكترونية فيما يتعلق بمحاربة الفساد والغلاء، وقد تناسى هؤلاء أن بعضهم هو السبب في مثل هذا الغلاء والفساد وعدم المسؤولية عندما كان في العبدلي في المجلس النيابي الخامس عشر الذي لم يكمل مدته_ والحمد لله_ فنسبة لابأس بها في هذا المجلس هم من أرباب المال الذي سُخِّرَ لإيصالهم إلى ما كانوا فيه لولا لطف الله وحكمة جلالة الملك الذي حلَّه دستوريا قبل إنتهاء ولايته.
أيها الناخب، اتقِ الله في أمك وأبيك، وباديتك وقريتك ومدينتك ومخيمك الذي يأويك، وفي وطنك الذي يسترك ويحميك. اتقِ الله عندما تخط ُّيداك اسم من ستأمنه على وطنك ودينك وعِرضك؛ فهو الذي سيشرِّع القوانين لتكون لك أو عليك أو حواليك. وهذا هو اليوم الذي فيه إما أن تنتخب الصالح فترضى، أو تقعد في بيتك مقاطعا فتشقى؛ لأنك إن غيّبت صوتك النظيف، فإن هناك أصواتا قد تُباعُ وتُشرى بالمال السياسي لإيصال الرويبضة إلى العبدلي. فمِنْ هؤلاء سيصبح الوزير؛ فالأول يُشَرِّعُ والآخر يُنَفِّذُ. وإن تكالب هؤلاء وأمثالهم علينا مواطنيين وحرّاثين فسننتقل من المزراب الذي نحن فيه الآن إلى مزاريب وميازيب. وهذه الدعوة للمشاركة في الانتخابات ليست بوقا للحكومة؛ فعندها من أكفأ مني لتوجهها، بل هي دعوة حرّاث اكتوى طوال سني حياته بمن يعتلون صهوة ظهورنا، وبعد أن يصلوا مبتغاهم يرفسوننا غير آبهين بنا. هؤلاء الذين يتأبطون أجندات شخصية أو إقليمية أو دولية تنعق بصوتها بعد أن فارقت السِّرب.
ومع كل ذلك؛ فهذا البلد زاخر بالشرفاء الأوفياء الذين يحتضنون الوطن بأفئدتهم، الذين يرفعون شعارا مقدسا، عنوانه الانتماء للوطن، والوفاء للهاشميين، والولاء للمواطن. فمنهم من خبرناهم تحت القبة أو في الحياة العامة مهما كان مرجعهم سياسي كان أم عشائري أم وظيفي. فهم معروفون لكل ذي بصر وبصيرة؛ تجدهم متشبثين في تراب الوطن كلّ الوطن، وهم ليسوا من نواب الحارات والحواري والأزقة، وليسوا من نواب بدلات السفر وعقد الصفقات والسمسونايت، وهم نوّاب لانوائب ولا نائبات.
فهؤلاء؛إن جفَّ ضَّرعُ الوطن لايقطعونه، وإن عجفت أرضه تعهدوها ورعوها.