ثمة مؤشرات ديموقراطية ومُسلَمات مُتَفق عليها وطنياً تجعل من مؤسسات المجتمع المدني ومنها النقابات العمالية جزءاً اصيلاً في دولة القانون لتمارس اعمالها وتحفظ حقوق منتسبيها ضمن اطار القانون الذي بموجبه اصلاً وجدت تلك النقابات على اختلاف مسمياتها , فنحن حين ندرك ما معنى ان يكون للعمال نقابة تجمعهم وترعى مصالحهم باطار مِهني وحيادي بعيداً عن الشخصنة ندرك ايضاً ان الخلل الجسيم في أداء النقابات المهنية يفقدها ضرورتها وحكمة المُشرع من انشاءها في الانظمة المختلفة وقانون العمل بشكل خاص .
ممارسة الهيمنة غير المشروعة في العمل النقابي عبر تحويلها من مؤسسة مجتمع مدني الى ( مَطيَة ) تُستخدم لغايات السباق للاهداف الغامضة للبعض ( كلما دعت الحاجة لذلك ) او استخدامها ( كَفزَاعة ) كلما لاحت بوادر الخلاف الشخصي بين اعضاءها وبين الشركات يأتي جميع ذلك ضمن الممارسات السلبية التي افقدت كثير من النقابات حيويتها لتحصيل حقوق العاملين لقناعة العمال ان افتقارها للمهنية يدخلها في نفق الشخصنة ويخلق حالة من الارتباك النفسي الواسع لدى العمال حين يلاحظون فزعة المواقف المفاجئة !! وممارسة الاستقواء بأثر رجعي .
تعزيز المهنية احدى النقاط المهمة التي غفل عن تأسيسها المشرعين في اغلب انظمة وقوانين النقابات المهنية للأسف وبالتالي تُركت تلك النقابات لتمارس اعمالها كيفما يحلو لها وفي الوقت الذي تراه مناسباً وحتى ان ادى ذلك لمقارفتها للادوات غيرالشرعية في تنفيذ مهامها , فمثلاً حين يحدد القانون اجراءات ضروروية تسبق الاضراب العمالي حتى لا يصبح غاية بحد ذاته بالتالي فان القفز لمرحلة الاضراب العمالي من قِبل النقابات او التلويح به قبل السير بالمفاوضات ومجلس التوفيق يعتبر من قبيل التعسف في استخدام الحق الذي يفقده شرعيته وشرعية منفذيه , وهو الأمر الذي يدخل المشهد الوطني في حالة من الفوضى الضارة باقتصاده لا سيما في الشركات الكبرى التي ترفد خزينة الدولة بملايين الدنانير علاوةً على اضعاف تلك الشركات من الناحية التسويقية في وجه المنافسين العالميين او الدول المتعاقدة التي يهمها اولاً واخيراً تصدير المُنتج لاراضيها باوقات وتواريخ محددة قبل اللجوء لغرامات التأخير والتعطيل المفروضة على شركاتنا الوطنية كالبوتاس بفعل الاضرابات العمالية .
لا اعتقد ان روح العمل النقابي وغايته المذكورة في القانون تُبارك حالة الشلل الواسع التي يسعى لها البعض في مصانع البوتاس , فالقانون وليد ارادة الدولة ومصلحة الوطن تسمو لتُعتبر روح القانون الذي بموجبه تم تشريع وصياغة بنوده , فدرء المفاسد اولى من جلب المنافع شرعاً وقانوناً , حيث ان ممارسة الاستقواء على الشركات الكبرى على مبدأ ( وهي لمن غَلَب ) لا يخدم لجميع الاطراف قضية عادلة على المنظور القريب والبعيد سواء .
الحديث عن اشكالية المهنية للنقابات العمالية يأتي في وقت تُقرع فيه طبول الاضراب من قبل النقابة العامة للمناجم والتعدين في موعدٍ تم تحديده مسبقاً !! بكتاب مرسل من رئيسها لادارة شركة البوتاس يُعتبَر قفزاً غير موفق ويفتقر لقانونية الاجراء السليم , لذا فان السير باجراءات تسبق اللجوء للاضراب (حددها قانون العمل ) كمجلس التوفيق والاحتكام للغة الحوار والتفاوض الحميد يعتبر شرطاً لقانونية الاضراب قبل تنفيذه او التلويح باستخدامه , كل ذلك يأتي في ظرف حساس يعتري الشركة من تراجع للمبيعات وتدهور قيمة الطن المُصدَر بسبب المنافسات المحمومة للشركات الكبرى في الاسواق العالمية على ذات المُنتج والمادة التسويقية وخسارتها لكثير من اسواق التصدير لاسباب خارجة عن ارادتها علاوةً على كونها تتأثر بشكل منطقي بالكساد الاقتصادي الكبير الذي يضرب العالم .
لا نُطالب النقابة باغفال مطالب العاملين بشكل أبدي , وانما نطالبها بشكل مؤكد أخذ مصلحة الوطن وديمومة الشركة وازدهاراها بعين اعتبارها في هذا الظرف المالي الصعب والجلوس لطاولة الحوار والاحتكام ايضاً لرغبة المئات من العاملين والموظفين بعدم السير باية اجراءات تصعيدية ستؤدي لالحاق الخسائر الباهضة في الشركة تُضاف لمعاناتها الكبيرة اصلاً من اسعار الكهرباء والنفط التشغيلي في مصانعها ومرافقها المنتشرة في وسط وجنوب المملكة .
المئات من عمال الشركة الذين يتجاهل البعض اصواتهم يطالبوا النقابة بلغة الحوار بعيداً عن الاضراب والاستقواء , فهناك الكثير من الحقوق ضاعت وفقدها اصحابها بسبب الاسلوب والوقت الخاطيْ , وكم من استقواء عن قصد فَعَلَ في شركات الوطن كما فعلت دابة الارض في مَنسأة سُليمان ,, فنظرةٌ الى ميسرة .
عمال البوتاس وسواعدها المخلصة لن يكونوا كالتي نقضت غزلها من بعدِ قوةٍ انكاثاً .