يبدو أن الدكتور محمد المومني والأخ سهيل القضاة قد اتفقا على مؤازرة الحكومة في أزمتها ، فاستوجب ذلك توجيه صفعة لجماعة الإخوان خارج قواعد اللعبة وبعيداً عن أصول التحليل.
أولاً دعوني أحلف بالله وحده أنني لست إخونجياً ولا أمت لهم بصلة من قريب أو بعيد وكثير منهم ربما "يكرهونني كره العمى" ، ثم إن والأحزاب والعشائرية بانت عندي بالثلاث منذ عقود ، وأنني لست منسجماً البتة مع الطروحات التي تقدمها الأحزاب في الأردن بشتى أنواعها ومعتقداتها ، يسارية أم يمينية ، مدعية للوطنية أو لغيرها، لكن لا بد من قولة حق اليوم لكي لا تستمتع الحكومة من ناحية باصوات المداحين، ولكي لا يحس الإخوان أننا ننكر فضل وجودهم بيننا "ولا تنسوا الفضل بينكم". فالحق أن للإخوان فضل لا ينكره إلا جاحد .
ثم كنت أول من تحدث عن قرار مقاطعة الإخوان للانتخابات وانتقدته وهو على هذا الرابط :(http://www.libertytribune.net/writers-frame/salah-momani/articles/jul-10/jul-30-ekhwan-dala%20sebyan.html)
ثم تراجعت عنه بمقال آخر وهو على هذا الرابط كذلك :
(http://www.libertytribune.net/writers-frame/salah-momani/articles/aug-10/aug-16-taraju-maqal.html)
وسبب التراجع ليس بسبب حالة الطقس وانعدام الرؤية ، وما هو بسبب انزلاقات على الطرق، لكن المقالين يعبر كل منهما عن وجهة نظر واختلفت وجهتا النظر حينما رأيت ما يبرر ذلك، ولم أجلس على استحياء مما قلت ومما تراجعت عنه، فنشرته من خلال الصحف، متبعاً قدوتنا في ذلك نبينا صلى الله عليه وسلم حينما قال للصحابة "أنتم اعلم بأمور دنياكم" ، حينها قلته: لقد عرف الإخوان قواعد اللعبة وهم أدرى بقرارهم.
ما أعتبره غير لائق في اللعبة السياسية أن يصبح الإعلام مطية للحكومة من خلال بعض الكتاب الذين قدموا تحاليل غير متوازنة ، منها ما يتهم الإخوان بالردة السياسية ومنها ما فسر "خشونة" الإخوان بالعنف.
فالرد على من يقول بأن قرار الإخوان ردة سياسية هو سهل جداً ، حيث لم تكن الحكومة وقوانينها وسياساتها أكثر من حركة تخبط وليست مرجعية ولا هي الأصل وغيرها الفرع خصوصاً حينما تخالف الدستور بقوانين مؤقتة تظهر الأردنيين وكأنهم رعاع لا رأي لهم ولا مقولة . قرار الإخوان جاء ليقول للحكومة "العبيها وحدك" ، فنحن لسنا رعاعاً ولا نقبل بمثل هذه الطريقة في التعامل مع الشعب الذي نحن جزء منه. قرار الإخوان بكل بساطة أراد ان يقول : حكومتنا غير ملتزمة بالدستور ونكثت العهد الذي قطعته أمام الشعب وحنثت باليمين أمام الملك ، وهذه الحكومة ليست جديرة بما أوليت من مسؤولية. أين الردة السياسية في هذا؟
أما من فسر "الخشونة" بالعنف أو بالتوجه نحو العنف ، فهذا قصر نظر مع الاحترام لشخص الكاتب، إذ ليس هناك من محلل على الصعيد السياسي يرى ذلك ، ولم أقرأ لأي شخص أن مصطلح الخشونة يعني الفلتان والخروج على القانون ، إلا إذا ظننا أن المقاطعة هي خروج على القانون ،وتعتبرعقوقاً لأمّنا الحكومة ، وبهذه الحالة يجب علينا أن نغير مفاهيم الطاعة والولاء ونعيد تفسير الآية " ولا تقل لهما "أف" لتصبح كلها تصب في مصلحة حكومة لم تثبت قدرتها على تحمل المسؤولية حتى هذه اللحظة.
ثم؛ إن تاريخ الحكومات يشهد لها وتاريخ الإخوان يشهد لهم ، فالإخوان الذين تعرضوا لكل صروف القهر والأذى على مدار عقود من طرف الحكومة تسلحوا خلالها بالصبر والأناة وتقديم مصلحة الوطن على مصالحهم الذاتية ، الإخوان هم الإخوان لم يتغيروا ، تاريخهم يشهد لهم أنهم يد معطاءة ، وهم فلذات كبد هذا الوطن ، وعرفناهم عند كل ملمة أهل نخوة وبطولة ، فهل يعقل أن يتخلى الإخوان عن تاريخ مشرف لتصبح خشونتهم عنفاً وقولهم "لا" للحكومة ردة كما أتهموا من قبل الكاتبين؟
إذا كانت قولة "لا" للحكومة ردة فأنا أول المرتدين عن طاعتها في الانتخابات وفي كل مسألة أرى فيها الفساد هو السائد، وشتّان شتّان بين الوطن والحكومة ، فالوطن لا نقول له لا ،حتى لو أراد أرواحنا ، فهي أقل القرابين له، أما الحكومة فلا قداسة لقراراتها ولا نقبل كأردنيين أن نصبح مطية لأصحاب الرؤى الضيقة سواء من عملوا في سلك الحكومة أو من هم في ركبها.
الحكومة شيء والوطن شيء آخر، لذا علينا أن لا نخلط الأوراق. فالحكومة التي تبني بنيانها على جبل من الفساد، هذه ليست وفية للوطن ، ومن يرد أن يغطي الشمس "بغربال" فليفعل وهذا شأنه لأنه لن يغير من حقيقة الشمس وقوة سطوعها شيئاً.
مرة أخرى، هذه ليست مقولة تحيز للإخوان، لكن، لنكن منصفين بحق وطننا ومنصفين بحق رجاله ، وما الإخوان إلا من رجاله الأوفياء أحببناهم أم كرهناهم . فإن قرروا المقاطعة ، هذا شأنهم ، لا نحملهم ما لا يطيقون ، ولئن شاركوا فشأنهم أيضاً، وقد تتفاوت الآراء بين مؤيد ومعارض لقرارهم ، لكن أبداً لا ينبغي أن نصل حد الاتهام لهم ولتاريخهم المشرف ، ولا ينبغي أن ننقصهم حقهم كأبناء مخلصين للوطن.
أقول هذا الرأي دفاعاً عنهم اليوم وانتصاراً لحقهم كجزء من شعبنا ، ولو حدث أن وقف الإخوان ضد مصلحة وطنية –ولا أظن انهم يفعلون- لوقفت ضدهم بكل وسيلة ممكنة لردعهم ولكنت اول الناقدين لهم، فليس هناك من يعلو على الوطن ومصالحه