قراءة في الجانب الأخلاقي للحملة الانتخابية الراهنة
مرشحون يخالفون القانون وآخرون قبلوا بأن يكونوا أدوات
لماذا غاب الجانب الاجتماعي والأخلاقي عن برامج المرشحين؟
دعاوى بعض المرشحين تسقط كل أحاديث الحكومة عن النزاهة
حملة الانتخابات الراهنة تجري وسط أكبر عملية تكاذب اجتماعي
بلال حسن التل
كنت أصغي باهتمام, إلى مقطع من حوار, دار بين مرشح للانتخابات النيابية القادمة, وشاب احترف العمل في الحملات الانتخابية, التي صارت في بلدنا حرفة مؤقتة, لعدد كبير من العاطلين عن العمل, الذين يبيعون جهدهم ووقتهم, لمن يدفع أكثر من المرشحين بصرف النظر عن قناعتهم بهذا المرشح من عدمها. فهؤلاء الشباب ينظرون إلى المرشحين على انهم سلعة, تحتاج إلى من يروجها, وقد ارتضى هؤلاء الشباب بأن يكونوا مندوبي مبيعات, مثلما ارتضى بعض المرشحين بأن يكونوا سلعة تحتاج إلى من يروجها.
هذه هي خلاصة الحوار, بين المرشح والشاب, الذي كان يحاول أن يقنع المرشح باستعداده للدخول به إلى بيوت منطقة معينة, بيتاً بيتاً, للتعريف به, وترويجه لدى أصحاب هذه البيوت.
هذا المقطع من الحوار بين المرشح والشاب, يلخص بشكل مكثف حجم التغير نحو الأسوأ الذي أصاب منظومتنا, خاصة على الصعيد الأخلاقي, ومن ثم سائر مكونات حياتنا. فالأصل في الانتخابات انها تعبير عن المواقف والقناعات والاتجاهات. سواء بالنسبة للمرشح وأنصاره, أو بالنسبة للناخبين. لكن وفي ظل تحويل كل شيء في بلدنا إلى سلعة صارت الانتخابات سوقاً وصار المرشحون سلعة. وكذلك صار صوت المرشح. في أسوأ تعبير عن الانهيار الخلقي في بلدنا. فالذي يبيع قناعاته لا يتردد عن بيع أي شيء مقابل المال. وعندما تنهار الأخلاق يفسد كل شيء سياسياً واجتماعياً واقتصادياً, ويصبح الفساد سيد الموقف. ويصبح الكسب غير المشروع مباحاً, بما في ذلك الكسب السياسي الغير مشروع الذي يسعى إليه بعض المرشحين, الذين يحاولون الوصول إلى قبة البرلمان بشتى الطرق, وأولها التبجح بأنهم مرشحون مدعومون من هذا الجهاز الحكومي أو ذاك الجهاز الحكومي أيضا. وأمام دعاوى هؤلاء تسقط كل أحاديث وتصريحات الحكومة عن النزاهة والشفافية والحيادية. وبوصول هؤلاء إلى قبة البرلمان لن يعرف بلدنا حياة سياسية سليمة يعبر فيها شعبنا عن إرادته, وعن رغباته, وعن تطلعاته, ما دام هناك من يصل إلى قبة البرلمان بقرار حكومي وليس بإرادة شعبية. وخطورة هؤلاء الذين يصلون إلى قبة البرلمان بغير إرادة شعبهم, أنهم ارتضوا أن يكونوا أداة لهذا الجهاز أو ذاك, أو لهذا المتنفذ أو ذاك. ولأنهم لا يحترمون أنفسهم لأنهم قبلوا أن يكونوا أدوات, فانهم أيضا لا يؤتمن جانبهم حتى للذين يدفعونهم إلى قبة البرلمان, لأن ولاء هؤلاء لمصالحهم الفردية الضيقة. ولمن يحقق هذه المصالح بصرف النظر عمن يكون. وهذا منتهى السقوط الأخلاقي.
إن مؤشرات السقوط الأخلاقي, التي تكشف عنها الحملة الانتخابية الراهنة كثيرة. لعل في طليعتها غياب احترام القانون. خاصة من قبل الكثير من المرشحين, الذين باشروا حملاتهم الانتخابية قبل الموعد المحدد قانونياً. ثم وضعوا ملصقاتهم في أماكن تخالف التعليمات القانونية. فإذا كان هؤلاء لا يحترمون القانون في هذه المرحلة المبكرة من الانتخابات النيابية, فكيف سنأتمنهم على احترام القوانين إذا وصلوا إلى القبة وصارت بأيديهم سلطة؟
وإذا كان عدم احترام القانون أحد المؤشرات, التي تدل على غياب الأخلاق وتراجعها, في مجتمعنا. فان غياب اللياقات بين المرشحين وأنصارهم, من أهم المؤشرات على حجم الانهيار الأخلاقي في بلدنا. والممارسات التي تدل على غياب اللياقات في الحملة الانتخابية الحالية كثيرة, من بينها تمزيق بعض المرشحين ليافطات وملصقات مرشحين آخرين. أو وضع ملصقات مرشح فوق ملصقات مرشح آخر أو امامها بحيث تحجبها عن الرؤية. ومن بينها إطلاق مرشحين إشاعات بذيئة ضد مرشحين آخرين. ومنها حرق مقار مرشحين. ومنها توزيع مناشير ظالمة ضد بعض مرشحين في إطار عملية ابتزاز واسعة يمارسها البعض للمرشحين. فقد صار الابتزاز سمة من سمات هذه الحملة الانتخابية. لعل من أبرزها ممارسات بعض مقاولي الانتخابات, الذين يزعمون ان لديهم أصواتاً انتخابية يبيعونها لكل مرشح. أو ان لديهم قدرة على تنظيم اللقاءات والتجمعات لهذا المرشح أو ذاك, مقابل مبلغ من المال. ومثلما انهم يبيعون ذات الأصوات التي يزعمون انها رهن إشارتهم, فانهم يجمعون نفس الأشخاص لكل مرشح تحت زعم أنهم صاروا من أنصاره وناخبيه, في عملية ابتزاز متواصلة للمرشحين الذين يلهثون وراء الصوت. في إطار أكبر عملية تكاذب تمارسها مكونات المجتمع بعضها على بعضها الاخر.
لا تتوقف عملية ابتزاز المرشحين عند ممارسات مقاولي الانتخابات, بل تعدتها إلى ما هو أخطر. أعني بعض وسائل الإعلام والاتصال, التي ترى في موسم الانتخابات فرصة لتحقيق المكاسب المالية. لذلك رأينا بعض هذه الوسائل تشن في الصباح هجوماً على هذا المرشح أو ذاك, لنراها في المساء تبرزه كمرشح منافس وقوي ويحظى بإجماع منطقته الانتخابية. لا لسبب إلا انه دفع الثمن. وهؤلاء مثلما هم سُبّةٌ في جبين الإعلام الأردني, فانهم مؤشر من مؤشرات الانهيار الأخلاقي الذي أصاب كل مكونات حياتنا.
وعلى ذكر الإعلام والإعلاميين, أحب أن أتوقف عند هذا السيل المنهمر من الكتابات حول الحملة الانتخابية الجارية في بلدنا. فقد صار من اللافت ان الغث في هذه الكتابات يفوق بأضعاف مضاعفة السمين, وما ينفع الناس منها. فجل ما ينشر مكرر ومعاد, صار بعضه اسطوانة مشروخة, وصار بعضه مقرفاً مقززاً من حجم النفاق والتملق الذي يغص به. وصار بعضه الثالث يثير الأسى واللوعة لغياب التحليل والموضوعية عنه, لتحل محلهما المواقف الانطباعية أو الانقياد لعقلية القطيع التي يغيب فيها العقل والمعلومة, لتحل محلها الإشاعة, خاصة تلك التي تغتال الشخصية, أو تأخذ بالوزر. كالحكم على الأبناء من خلال الآباء سلباً أو إيجاباً, وهذه كلها من مؤشرات عن غياب الأخلاق عن جل مسارات العملية الانتخابية الراهنة.
لست بصدد حصر جوانب الانهيار الأخلاقي التي تؤشر عليها الحملة الانتخابية الراهنة, وأهمها غياب الرؤية والمواصفات في المرشح, لذلك لم نستغرب أن يكون من بين الذين تقدموا للانتخابات مهربون ومرتشون, لكننا بصدد قرع ناقوس الخطر من هذا الانهيار الأخلاقي الذي صار يفسد كل حياتنا والذي كشفته الحملة الانتخابية الراهنة. ومع ذلك يغيب عن شعارات وبرامج المرشحين. فهل لم يعد للبناء الاجتماعي الأخلاقي قيمة في بلدنا؟!