يُعجبني جدا تلك المقولة التي ذكرها أديب العربية المتأدب الرافعي عندما ذكر في بعض كتبه بأن الكذّابين على نوعين ،فالنوع الاول هو الذي يكذب في القول، و النوع الثاني هو الذي يكذب في فهم الواقع ! فهذا الشخص المؤسف يرى الواقع أمامه جليا صادقا ثم يكذب في فهمه لانه يريد ذلك قصدًا و عمدًا ، و لعلي أضيف اليه نوعا نشازًا مؤسفا مؤلما ثالثا أيضا و هو ذاك الذي يكذب في فهم الواقع ثم يقول الكذب و الدجل و الهراء في وصفه صباح مساء من موقعه أو من صحيفته التي تتغنى بلمز الحركة الاسلامية من قريب أو من بعيد ،فكيف يُصدق ذلك الكاتب بأن الحركة الاسلامية لم تنجح و لم تفلح في أعمالها و تصرفاتها أبدًا، ويتعامى قصدًا عن كل إنجازاتها ، و يتوقع لها التلاشي و الانحسار (هبلته أمه) كيف ينسى ما قدّمت الحركة الاسلامية لوطنها الاردن عندما كان هو و أمثاله يسبُون الاردن و يلعنونه في جلساتهم و سهراتهم ، و يطالبون بسقوط النظام بشعاراتهم اليسارية الفاقعة في تلك الفترة ، أم أن الديموقراطية التي يريدها ذاك الكاتب تنطبق عليه في تلك الفترة و لا تنطبق على أداء الحركة الاسلامية في هذه الايام التي لا تقول الا خيرًا و لا ترفع الا الشعارات الصادقة المحبة و المخلصة للوطن! و عندما تُقاطع الحركة الاسلامية الانتخابات النيابية فانها تقاطع حرصًا لا جبنًا و تُقاطع حبًا لا كُرهًا و تُقاطع رغبةً لا رهبة .
أننسى جميعا ما الذي حصل في بلدنا من فساد مُؤسس،و فقر و محسوبية و مديونية عالية ،أننسى جميعًا كيف فقد مجلس النواب هيبته و سطوته ،أننسى كيف فقد مجلس النواب دوره الرقابي و التشريعي و فقد قيمته الحقيقية و أصبحنا نترحمُ على بعض النواب الذين كانوا لهذا الوطن و ما كانوا عليه ، فلا عاد هناك من يراقب اللصوص و الخونة، و لا عاد هناك من يحاسب المفسدين الذين تغولوا و تمادوا، أننسى جميعا كيف تم التزوير في الانتخابات النيابية و البلدية الماضية،أننسى الضعف الذي اعترى بعض النواب السابقين الذين لا يُمثلون سوى بضعة مئات من أصوات تم شراؤها بتمن بخس أو تم التزوير لهم بطرق مُتقدمة ملتوية ، كيف تريد لهذه الحركة أن تُشارك بنفس الشروط و المدخلات السابقة التي أفرزت مجلسا نيابيا مخزيا قام جلالة الملك بحله لاعتقاده يقينا بأنه مجلس لا يمثل طموح الاردنيين أو تطلعاتهم ؟ ثم إن كل الذي كانت تطالب به الحركة هو قانون انتخاب مختلف عن السابق، قانون عصري و متقدم يحقق التوازن و التنافس المطلوب لافراز مجلس قوي و شخوص أكفاء تحت القبة ،و لقد قال أحد الحكماء بأنه من السذاجة بمكان أن نتوقع نتائج مختلفة لأمر نقوم بأدائه بنفس الطريقة في كل مرة !!
ثم كيف تتجرأ تلك الصحيفة التي تتبنى منذ أمد بعيد و تحتضن هذا الكاتب الفذ الذي لا يقول الا ( خيرا) و تقول بان الحركة الاسلامية لا تُمارس الديمقراطية عندما فصلت من ترشح منهم للانتخابات ؟ و لقد كنت أتمنى منذ نعومة أظفاري أن أقرأ لهم ( رأيا) مختلفا يخالفون به رأي الحكومة أو يعارضونها في أية مسألة كانت ، إن كانوا ينادون بالديمقراطية و الحرية و تعدد الاراء، فاذا تحدثت الحكومة عن رفع الاسعار أصبح (الرأي) صوابا و مطلبًا وطنيًا في هذه المرحلة الحساسة !! وإن تحدثت أيةُ حكومة غابرة أو عابرة عن زيادة الضرائب أصبح( الرأي) أننا نمُر في مرحلة خطيرة وهامة و لا بد من التصحيح الاقتصادي !! وان تحدثت المعارضة عن سلب الحريات و الاعتقالات المختلفة أصبح( الرأي) بان هناك هجمة شرسة من قوى خارجية و اقليمية و ظلامية على هذا البلد ، و إن تحدثت الحكومة عن مشكلة في (بوركينا فاسو) مثلا أصبحت هذه بلدة صديقة و تربطنا بها علاقات حميمة لا يجوز مسها !! و لعلهم ينطبق عليهم قول الشاعر الذي أعماه حُب محبوبته فقال بانه يُحب من الاسماء ما شابه إسمها و ما قاربهُ و ما كان منه مُدانيا!! و لعل من الواجب هنا أن نردّ الافتراء الذي قيل على الحركة الاسلامية بانهم يتحدثون عن الديمقراطية التي لا يمارسونها في حركتهم ! و أظنها من نافلة القول أن نُذكّر بأن من أساسيات الانضمام لأي حزب سياسي هو أن يلتزم أعضاؤه بمنهجه السياسي و خطه الفكري حتى و إن خالف هواك السياسي و توجهك الفكري، و إلا ما عاد الحزبُ حزبًا و لا التنظيمُ تنظيمًا ،ثم إن من يرى نهجًا سياسيًا مختلفا من أعضاء الحزب فعليه المغادرة إما بالاقالة او الاستقالة بكل حُب و احترام دون إساءة أو تقليل شأن و يُحترم اجتهادهم و قناعتهم ، و لكنها السياسة و قواعد و أصول اللعبة الحزبية التي غابت عن أعين الكثيرين الذين يبدوا أنهم لم يمارسوا العمل الحزبي في حياتهم.
الاخوان المسلون ليسوا حزبًا سياسيًا و ليسوا جمعية خيرية و ليسوا حركة رياضية و ليسوا ناد اجتماعي بل هم كلُ ذلك، و سيبقون كلّ ذلك كشوكة مُرّة في حلوق اولئك الذين يكرهون ، و في حلاقيم اولئك الذين امتلأت نفوسهم كراهية و سوادًا و لا يعرفون كيف يُصنّفون الحركة الاسلامية ، و يبدو أنه مهما قدّمت الحركة الاسلامية من خير و حرص على هذا البلد فلن يستطيعوا مدحه أو اطراءه أو ذكره ، و كأني بهم و قد و صفهم الشاعر قبل قرون قائلا فيهم : ومن يكُ ذا فم مُر مريض ، يجد مُرّا به الماء الزُلالا ، نسيتُ أيضا أن أبشّر الكاتب بُشرى غير سارة ذلك أن هذه الحركة تزدادُ وتتسع شعبيتها يوما بعد يوم بارقام و إحصاءات دقيقية قد تأتي عليه إن أمعن النظر فيها كيدًا و حسدًا و غيظًا .
ختاماً سُئلت أعرابية عن اللُبان (العلكة ) فقالت : بأنه مُهلكٌ للفم .... مُخيبٌ للمعدة !! ما أكثر الذين يُشبهون اللبان من مسؤولينا و بعض كُتابنا ،مُتسلقون، يعبدون مصالحهم ، يُقدسون ذواتهم و لا يرون أبعد من أنوفهم ،يكرهون أنفسهم و يكرهون غيرهم و يكرهون أوطانهم ، خيّبوا ظنوننا و أهلكوا جيوبنا ، و أفقروا أولادنا ... ما أكثرهم (قللهم الله) ،ما أظلمهم ،ما أسودهم ،ما أنشزهم .
م. غيث هاني القضاة
ghaith@azure-pools.com