{الَّذِي أَطْعَمَهُم مِّن جُوعٍ وَآمَنَهُم مِّنْ خَوْفٍ} صدق الله العظيم
من يستقرئ بعض الآيات القرآنيّة الكريمة، والأحاديث النّبويّة الشّريفة، وينعم النّظر فيما حاق بأمم سابقة أو حاليّة، ومن دون عناء تفسير ولا تأويل، ومن دون مشقّة تحليل ولا تنظير، يدرك العلاقة الوثّيقة بين استتباب الأمن من جهة، وتوافر الأمن الغذائيّ للعباد من جهة أخرى، الذي هو من مسؤوليّة الدّولة.
المولى القديرـ سبحانه وتعالى ـ ربط بين هاتين الحاجتين الأساسيّتين في أكثر من آية؛ إذ قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْـخَوْفِ وَالْـجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.
وقال أيضًا: {وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللَّهِ فَأَذَاقَهَا اللَّهُ لِبَاسَ الْـجُوعِ وَالْـخَوْفِ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ}.
وعن سَلَمَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ مِحْصَنٍ الأَنْصَارِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ أَصْبَحَ مِنْكُمْ مُعَافًى فِي جَسَدِهِ، آمِنًا فِي سِرْبِهِ، عِنْدَهُ قُوتُ يَوْمِهِ، فَكَأَنَّمَا حِيزَتْ لَهُ الدُّنْيَا.
لقد تنبه العلماء أيضًا إلى أهمية هذه الاحتياجات الإنسانية؛ إذ بنى( ماسلو) العالِم النّفسيّ هرمًا يوضِّح فيه تدرُّج هذه الاحتياجات وفقًا لأهميتها، فبدأ بالاحتياجات الفسيولوجيّة من طعام وشراب وغير ذلك من ضروريّات بقاء الفرد على قيد الحياة، ليأتي توافر الأمن بأنواعه المختلفة في المرتبة الثّانية في هذا الهرم. وقد أوضح أنّ عدم تلبية هذه الاحتياجات يولِّد الإحباط والتَّوتُّر، ما يستدعى بعد ذلك إلى أن يسلك الفرد سلوكات عدوانيّة، أو دفاعيّة لمقاومة هذا الإحباط.
ولنا في المأثور كثير من الحِكَم والأمثال التي تشير إلى أنّ الفقر مقرون بالكفر والفحش والجريمة والانحراف عن السّلوك السّويّ، وغير ذلك ممّا يهدِّد الأمن المجتمعيّ والأسريّ والشّخصيّ. إنّ الفقر والحاجة والعوز يصنع لصوصًا ومرتشين ومنحرفين...؛ إذ ليس من الطّبيعيّ أن يكون المواطن نبيًّا ولا رسولاً مُرسلًا يردع نفسه الأمّارة بالسوء عن الوقوع في المعاصي، وما قولي هذا إلّا تفسير لا تبريرًا للانحراف بكافّة أشكاله وأصنافه.
وأمّا في أردنّ الحشد والرّباط، بلد الهاشميّين وسلالة خير الأنام، بلد النّشامى والنّشميّات، بلد من ( عظُّوا) على الصّوّان والقرطيان، صابرين صابرين صابرين على سياسات تستقوي على الطّفارى والمساكين، وتستميت في ركله ودفعه نحو الزّاوية الضّيّقة دفعًا وركلًا لا هوادة فيهما. في هذا البلد الطّيّب، يجبن المسؤولون أمام سطوة الحيتان والدّيناصورات الذين هم السّبب في ما صرنا إليه لا نحن. وعليه، لا غرابة أن نسمع كثيرًا أنّ هناك أيادي شرّيرة لا تريد لهذا البلد خيرًا، وأنّ هذه الأياديّ الخبيثة قد خانت الوطن وخانت جلالة الملك الذي استأمنهم على رفاهيّة الشّعب الأردنيّ فأفقروه وجوّعوه؛ وفي الوقت الذي يجوب جلالته أصقاع العالم من شرقه إلى غربه يستدرج الاستثمارات من هنا وهناك، نجد أصحاب هذه الأيادي على مكاتبهم الفخمة وسياراتهم الفارهة يتفنّنون في عَصْرِ جيب المواطن عَصْرًا، ويتقاسمون الغنائم والمكاسب، ويتوازعون فيما بينهم ما تطاله أياديهم من قوت الشّعب، ومن أفواه الرُّضَّع. وفي الوقت الذي يقول فيه جلالته: ارفع رأسك؛ أنت أردنيّ. نجد هذه الأيادي الوسخة تقود بعض الرّؤوس إلى الغوص في الحاويات بحثًا عما في الفضلات والقمامة من لُقيمات خبز.
قال تعالى: {وَلَنَبْلُوَنَّكُم بِشَيْءٍ مِّنَ الْـخَوْفِ وَالْـجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمْوَالِ وَالأَنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ}.
وقال الشافعي:
سأصبر حتى يعجز الصّبر عن صبري
و أصبر حتى يأذن الله في أمري
و أصبر حتى يعلم الصّبر أنّي
صبرت على شيء أمرّ من الصّبر
ولا يسعنا إلا أنّ نقول: ربنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به. صدق الله العظيم.
وندعو دعاء إبراهيم عليه السلام:وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَـَذَا بَلَداً آمِناً وَارْزُقْ أَهْلَهُ مِنَ الثَّمَرَاتِ مَنْ آمَنَ مِنْهُم بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ قَالَ وَمَن كَفَرَ فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً ثُمَّ أَضْطَرُّهُ إِلَى عَذَابِ النَّارِ وَبِئْسَ الْمَصِير.ُ صدق الله العظيم.