زاد الاردن الاخباري -
يعد القطب المقابل لرئيس المكتب السياسي لحركة "حماس" خالد مشعل، بنمط حياته البسيط، ونفوذه الذي مارسه بهدوء وسرية بعيدا عن التغطية الإعلامية.
يوصف بالزهد، ومنضبط للغاية، وغير منزعج من إمكانية اللجوء للمواجهة مع الاحتلال.
انتخابه رافقته مخاوف إسرائيلية من مرحلة مواجهة عسكرية جديدة مع كتائب عزالدين القسام.
وصفه المسؤول في جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي (شين بيت) يارون بلوم، في تصريح لإذاعة "صوت إسرائيل" قائلاً: "إنه شخصيةٌ كاريزمية، وليس فاسدا، متواضع، وسيقوم بكل شىء من أجل تعظيم وجني أكبر المكاسب من جثتي الجنديين الإسرائيليين أورون شاؤول وهدار غولدن، والجندي الأسير أبراهام أفيرا مِنغِستو، والشخص البدوي، الذين تحتجزهم حماس".
يتولى مسؤولية رئاسة "حماس" في غزة من رئيس الوزراء إسماعيل هنية، المرشح الوحيد والأفر حظا الآن لزعامة " حماس" خلفا لخالد مشعل.
يحيى إبراهيم السنوار، المولود عام 1962 في مخيم خان يونس، تعود جذور عائلته إلى مدينة عسقلان المحتلة عام 1948،أنهى دراسته الجامعية في "الجامعة الإسلامية" بغزة بدرجة البكالوريوس في اللغة العربية، وكان رئيسا لمجلس الطلاب في الجامعة.
اعتقل عام 1988، وحكم عليه بالسجن 426 عاما بتهمة تخطيط عمليات واختطافات لإسرائيليين.
وجرى الإفراج عنه بموجب صفقة تبادل بين "حماس" والاحتلال عام 2011 التي عرفت بصفقة "وفاء الأحرار"، وبعد الإفراج أصبح السنوار من أبرز قيادات الحركة في غزة، وبات أحد أعضاء مكتبها السياسي.
يحظى السنوار بقبول كبير في أوساط القيادتين العسكرية والسياسية لحركة "حماس"، وكان له دور كبير في التنسيق بين الجانبين السياسي والعسكري خلال الحرب الأخيرة على غزة صيف عام 2014.
وفي العام 2015، أدرجته واشنطن على اللائحة السوداء لـ"الإرهابيين الدوليين" مع قائد "كتائب القسام" محمد الضيف، والأسير المحرر روحي مشتهى.
وترعر السنوار والقيادي الفتحاوي السابق محمد دحلان معا في مخيم خانيونس للاجئين، جنوب قطاع غزة، وتنافسا في مطلع ثمانينيات القرن الماضي على رئاسة مجلس اتحاد الطلبة في "الجامعة الإسلامية" التي فاز بها السنوار، وولد وعاش في نفس المخيم محمد الضيف قائد " القسام".
يعد من القيادات الأولى التي أسست " القسام"، وهو المسؤول الأول عن تأسيس الجهاز الأمني للحركة مع بداية تأسيسها، والذي عرف باسم "المجد".
وكان الهدف من تأسيس هذا الجهاز مطاردة جواسيس الاحتلال والذين نال بعضهم العقاب المناسب.
يُعَد شقيقه محمد السنوار شخصية بارزة أخرى في "حماس" وساهم في التحضير لعملية تبادل الأسرى التي أُطلِقَ فيها سراح يحيى.
ومنذ الإفراج عنه في "صفقة شاليط"، التي قيل أنه عارضها من داخل السجن، بدا السنوار مصرا على عدم السماح بأي تبادل مستقبلي للأسرى استنادا إلى شروط شبيهة.
ووفا لمزاعم مصادر إسرائيلية سياسية وإعلامية فإن السنوار قال إن الصفقة التي أُفرِج عنه بموجبها لم تكن ناجحةً بالصورة المطلوبة، وتركت أسرى "حماس" الآخرين الذين لا يزالون داخل السجن.
ويقول محللون إن النظرة المستقبلية للسنوار ستكون أكثر تركيزا على غزة بصورة أكبر من أعضاء "الحرس القديم" في القيادة السياسية ل"حماس"، الذين يهتمون بمحادثات المصالحة الوطنية طويلة المدى مع حركة" فتح".
ويعتبر مسؤولون أمنيون إسرائيليون السنوار واحدا من بين "الأكثر عنادا " ضمن القادة الثلاثة الذين قادوا الجناح العسكري ل"حماس".
ويحاول الإعلام الإسرائيلي، الذي أفرد حيزا كبيرا للحديث عن السنوار، إثارة الشكوك حول أهليته لهذا المنصب.
وزعمت القناة العاشرة الإسرائيلية، في مقابلة لها مع ضابطة في المخابرات الإسرائيلية تدعى بيتي لاهط، رافقت السنوار عندما كان معتقلا في سجون الاحتلال خلال أجراء عملية جراحية له، أن "الأطباء الإسرائيليين نجحوا في إنقاذ حياته من الموت المؤكد"، وفق ما أورده موقع "المصدر" الإسرائيلي.
وقالت لاهط، في مقابلة مع القناة العاشرة: "التقيت بالسنوار بعد أن اجتاز عملية جراحية لاستئصال ورم سرطاني في رأسه، وقال لي باكيا إن عائلته قلقة لحاله"، وفق زعمها.
وأشارت "القناة" إلى أن "السنوار الذي تعلم في السجون الإسرائيلية، وهو ملم باللغة العبرية، يتخذ قرارات سريعة ويدعم المبدأ أن على العدو الصهيوني أن يدفع ثمنا باهظا".
من جهته، يعلق المختص في الشأن الإسرائيلي، مأمون أبو عامر، بالقول: أن "هذا النوع من التقارير يحاول أن يشكك في صحة السنوار وأهليته "، لافتا إلى أن "السنوار قائد ذكي وليس سهلا، ويعرف ماذا يريد؛ ويسعى بكل قوة لتحقيق أهدافه" على حد وصفه.
وتساءلت صحيفة "معاريف" الإسرائيلية "من أنت يا يحيى السنوار؟"، مبدية استغرابها بالقول إن "هناك من يخشاه في حماس ويرتعد منه".
لكن المعلق العسكري في "معاريف"، نوعم أمير، يقول دون أن يكشف ما هي مصادره أن: "المفاجأة الكبرى في الانتخابات لقيادة حماس في قطاع غزة أدهشت حتى أعضاء حماس أنفسهم"، ولكنه لفت في الوقت ذاته إلى أن "حماس" تولي للسنوار" قدرات عليا، وفي الميدان تكن له الكثير من الاحترام".
ووصف السنوار إنه "حبيب القيادة السياسية لحماس"، ويبدو "أنه نجح في إعادة الاتصال بينها وبين القيادة العسكرية إلى مساره الطبيعي، بعد أن كان انقطع منذ حرب 2014."
وأجاب أمير في مقاله عن سؤال "من هو السنوار؟" بالقول إنه قبل لحظة من تحرره في صفقة شاليط، قاد من حجرته في قسم السجناء الأمنيين تمردا للسجناء، وادعى أن هذه صفقة سيئة وتشكل استسلاما لإسرائيل".
وفي ضوء ذلك تقرر في المخابرات عزله إلى أن تخرج الصفقة إلى حيز التنفيذ. وفقا ل"معاريف".
واكد المحلل الإسرائيلي في موقع "إسرائيل اليوم" رؤوبين باركو أن الحديث هنا يدور "عن مقاتل نشأ داخل القطاع".
وأضاف "أن أصدقاء السنوار في غزة يصفونه بأنه شخص عنيد وبارد المزاج ولكنه في الوقت ذاته قائد حكيم كاريزماتي". وأشار إلى أن السنوار تربى على يد الشيخ أحمد ياسين.
فيما يرى رئيس "شبكة سراج الإعلامية" المقربة من "حماس"، إبراهيم المدهون، إن "تولي يحيى السنوار ذي الشخصية الأمنية، قيادة الحركة في قطاع غزة سيعطي توازنا جديدا داخل الحركة بين المستويين السياسي والعسكري، وهذا أمر بات ضروريا جدا في هذه الفترة الحرجة التي تشهد نفوذا متزايدا للأحزاب اليمينية حول العالم".
ويتوقع أن تشهد المراحة المقبلة إعادة ترتيب للعلاقات الخارجية بين "حماس" ودول المنطقة،خصوصا إعادة ترميم العلاقات مع الجانب الإيراني، إضافة إلى تطوير وتحسين العلاقات مع الجانب التركي والمصري.
أما عن العلاقة مع السلطة الفلسطينية، فلا تبدو ثمة بوادر لتحسن العلاقة، على الأقل في الأجل المتوسط والقريب.
ويختلف رئيس التحرير السابق لصحيفة "فلسطين" ذات التوجه الإسلامي المقرب من " حماس"، مصطفى الصواف، مع ما يقال في وسائل الإعلام الإسرائيلية، بتأكيده أن "سياسات حماس لن تشهد تغييرا جذريا كما يروج له الكثيرون، وذلك لأن السنوار يعمل ضمن منظومة مؤسسات الحركة التي يمتد عمرها لأكثر من ثلاثين عاما".
وأوضح أن "ما شهدته الحركة في هذه الدورة الانتخابية هو ضخ أسماء جديدة في صفوفها لا يتعدى كونه تغييرا تكتيكيا لإعادة رسم السياسات الداخلية والخارجية من جديد". وفق تقديره.
ويتفق معه الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني، مصطفى إبراهيم، بقوله "القيادة الجديدة في قطاع غزة لن تخرج عن رؤية حركة حماس وتوجهاتها".
من جانبه، قال المحلل السياسي الفلسطيني، هاني البسوس، إن تغيير قائد "حماس" في غزة لن يؤثر كثيرا على السياسة العامة للحركة، التي تعمل وفق إطار "مؤسسي".
وأوضح البسوس أن "القرار في حماس، ومواقفها تجاه ملفات محلية وأخرى إقليمية ودولية ليس قرارا منفردا إنما يصدر عبر مؤسسة الحركة، ودوائرها الرسمية السياسية والعسكرية".
وأشار المحلل السياسي إلى أن "السنوار"، كباقي قيادات "حماس"، يسير وفق السياسة العامة للحركة، والتي يضعها مجلس الشورى (الهيئة الأعلى في الحركة(.
ويبقى احتمال شن عدوان إسرائيلي جديد على قطاع غزة، أمرا واردا، بحسب البسوس، الذي قال: "سنشهد ارتفاعا تصاعديا في ملف الحصار، وفي حال سنحت الفرصة المناسبة فسيقوم جيش الاحتلال بعدوان على القطاع".
واتفق المحلل السياسي، تيسير محيسن، أستاذ العلوم السياسية في جامعة الأزهر بغزة، مع سابقه، قائلا إن "السنوار جزء من المكتب السياسي لحركة حماس منذ سنوات عديدة، ووجوده على رأس قيادة القطاع بغزة، لن يغير من سياسة الحركة العامة".
وتابع محيسن، بأن "التحديات والمهام التي تواجه حركة حماس في عهد السنوار بغزة، هي ذاتها التي واجهت الحركة قُبيل انتخابه".
ويختلف محيسن، عن سابقيه، في ما يتعلق بنسب توجه "حماس" في غزة لتطوير جهازها العسكري، للقائد الجديد، السنوار.
وفي هذا الشأن قال إن "تطوير الجهاز العسكري في غزة ليس قرارا فرديا يتخذه السنوار، فهو قرار استراتيجي للحركة، يقضي بضرورة العمل لتوسعة إمكانياته، إلى جانب رؤية للتواصل مع كل الأطراف التي ستساهم في تطوير هذا الجهاز".
ولفت إلى أن الجهاز العسكري في "حماس" يتمتع بـ"استقلالية كبيرة، وموازنة خاصة تخدم بقاءه".
وعن علاقة حركة حماس في غزة بالأطراف الإقليمية، لا سيّما مصر وإيران، قال محيسن إن "الهدف العام لحركة حماس هو الانفتاح على الأطراف الإقليمية والدولية المختلفة، ولا تتغير العلاقات بينهم بتغير الشخوص والقيادات".
وأكثر ما يخشاه الإسرائيليون بعد فوز السنوار هو أن تضع " حماس" شروطا إضافية تعيق ما تم التوصل إليه من نتائج للمفاوضات في قضية الإفراج عن الجنود الإسرائيليين لدى "حماس" منذ ثلاث سنوات.
وقال أستاذ العلوم السياسية في جامعة النجاح، عبد الستار قاسم، بأن المرحلة القادمة ستشهد عودة قوية للعلاقات بين حماس وطهران، أو ما يسمى " محور المقاومة"، لأن السنوار يرى بأن محور إيران هو الأقوى في المنطقة.
وأبدى قاسم مخاوفه من أن "تشهد المرحلة القادمة تصعيدا عسكريا من قبل الجانب الإسرائيلي؛ لمنع السنوار من تقوية الجهاز العسكري لحركة حماس خلال المرحلة القادمة".
وهو ما ذهب إليه القائد السابق في جهاز المخابرات الداخلية "الشاباك" الجنرال يرون بلوم، وقال إن صعود السنوار إلى رأس تنظيم حماس في غزة:"سيجعلنا نشتاق كثيرا لإسماعيل هنية".
وألمح بلوم إلى أن "إسرائيل" ستحرص على "محاولة اغتيال السنوار في حال تحققت التوقعات بحرصه على دفع الأمور نحو التوتر عبر العمليات العسكرية".
وأبدا صحفي ومحلل سياسي مقرب من "حماس" عدم ارتياحه لاختيار عسكري في منصب كان يفضل اختيار سياسي له ، لكنه قال في نفس الوقت أن السنوار انتخب بطريقة ديمقراطية والتي ليس بالضرورة مرضية للجميع لكنها الوسيلة الوحيدة المعتمدة والمتفق عليها في الانتخاب.
لكن هذا الخيار الديمقراطي الذي أكد عليه خالد مشعل في أخر تصريحاته قد لا يرضى الاحتلال الذي ربما بدأ في التفكير في كيفية التخلص من السنوار الذي لن يتردد في تجميد أي مفاوضات لعقد صفقة تبادل جديدة إلا إذا ضمنت تحرير جميع الأسرى، وتمكين "القسام "من ردع أية مغامرة عسكرية إسرائيلية جديدة.