أربعون عاما ونيف من العطاء والإنجاز مرت على جامعة اليرموك التي بدأت نجمة صغيرة في جنوب مدينة إربد فيما كان يعرف حينها بمستنبت إربد، فحوّلته إلى حاضرة أدبية، ومنارة علمية، فأضاءت إربد المدينة، وكلمنطقة شمال الأردن، وامتد ضياء عطائها مسرح الوطن كاملا من شماله إلى جنوبه، إضافة إلى دول عربية شقيقة، وأخرى صديقة.
فقبل أكثر من أربعين عاما صدرت الإرادة الملكية السامية للمغفور له الملك الحسين بن طلال بتأسيس جامعة اليرموك، فكان لاستثمار في الإنسان تعليما وتدريبا إنجازا أردنيا بامتياز على مستوى العالم العربي، وهذا الإنجاز عصي على الحروب والكوارث الطبيعية، وأكثر من ذلك هو مصدر دخل للدولة إضافة إلى منح فرصة التعليم للجميع لاسيما المرأة.
سرى حب اليرموك في قلب كل من تخرج منها، وكان يتعمق بمرور السنين، ولكن حبنا لأمنا اليرموك التي احتضنتنا شبابا صغارا، وأعطتنا الفرص العديدة للتميز على مستويات كثيرة، يفرض علينا جميعا سلوكا، وأعمالا، وليس الاكتفاء بالتغني بمجدها التليد، واسترجاع الذكريات المليئة بالنجاح والطموح، والسمعة الراقية لإحدى أهم المؤسسات التعليمية في الوطن العربي لا سيما في زمنها الجميل.
كان تاريخ جامعة اليرموك حافلا بالعطاء سواء على المستوى المحلي أو الإقليمي أو الدولي، واليوم تعمل الجامعة بكل ثقلها، وخبرات أبنائها لفتح نوافذ عديدة للتعاون الأكاديمي مع المؤسسات التعليمية المحلية والدولية لبعث مجد اليرموك من جديد، وتخطو خطوات مبرمجة ومدروسة لتحقيق مزيد من التميز والنجاح، فبعد إنشاء كليتي الطب والصيدلة استحدثت الجامعة كليتي التمريض والعلوم الطبية المساندة، وبهذا تكون اليرموك قد استكملت منظومة التخصصات الطبية إضافة إلى كلياتها الأخرى.
كما تسعى سعيا حثيثا لجلب التمويل الخارجي؛ والمشاركة في مشاريع دولية، وإنشاء برامج أكاديمية مشتركة، وبرامج تبادل ثقافي وأكاديمي، وجلب المنح الخارجية، وإنشاء شراكات دولية، بما يرفد ميزانية الجامعة إضافة إلى إطلاق المبادرات الخلاقة، فقد استكملت الترتيبات اللازمة لإنشاء كلية لجامعة اليرموك في العاصمة عمان بالتعاون مع مجموعة طلال أبو غزالة، لخدمة الطلبة الأردنيين والعربـ إضافة للقيمة الاقتصادية المأمولة.
استطاعت اليرموك استقطاب واحد وعشرين مقترحا لمشاريع دولية، تسعة منها تقودها اليرموك بموازنة تزيد عن خمسة ملايين يورو، وهذا دعم لموازنة الجامعة بطريقة غير مباشرة، إذ يتم من خلال هذه المشاريع تبادل الطلبة، وأعضاء الهيئة التدريسية، وبناء المختبرات العلمية وتجهيزها بأحدث المعدات والوسائل التعليمية.
فتحت جامعة اليرموك أكبر نافذة للتعاون العلمي والأكاديمي مع المؤسسات التعليمية التركية بواسطة جملة من مشاريع التعاون المشترك مع كل من أكاديمية باشاك شهير التركية إذ ستقوم اليرموك من خلاله بالإشراف الأكاديمي على برامج الدراسات الإسلامية واللغة العربية التي ستطرحها الأكاديمية، بالإضافة إلى مشروع مستقبلي آخر مع جامعة ابن خلدون التي يرأس مجلس أمنائها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في مجال الدراسات الإسلامية واللغويات والإنسانيات، كما أن الجامعة بصدد إبرام اتفاقيات تعاون أكاديمي مع سبع جامعات تركية أخرى، وسيتم طرح برنامج بكالوريوس في اللغة التركية في كلية الآداب بالتعاون مع المركز الثقافي التركي في عمان.
والجامعة بصدد إنشاء برامج أكاديمية دولية مشتركة مع عدد من الجامعات في الصين، وماليزيا، وكوريا، وبروناي، وتايوان، بالإضافة إلى جامعتي موسكو الحرة، والصداقة الروسية لإنشاء مركز للدراسات الاستراتيجية، وتدريس اللغة الروسية باليرموك، دون أن تتحمل جامعة اليرموك أي كلفة إنشائية فيها مطلقا.
وحرصت اليرموك على الاستفادة من التجربة الفنلندية في التعليم التي تعتبر من أنجح التجارب في ضبط المنظومة التعليمية على مستوى العالم، من خلال مشروع مشترك مع جامعة توركو الفنلندية لتحسين وتطوير وتنفيذ معاير الاعتماد لضمان جودة البرامج الدراسية على المستوى الوطني في موضوعات التعليم الإلكتروني الذي كان لمركز اللغات في اليرموك فضل السبق فيه على مستوى الجامعات الأردنية إذ بدأ بتحويل مساق في الإنجليزية، وآخر في العربية تمهيدا لتحويل جميع المساقات العامة الى التعليم الإلكتروني .
وتعمل الجامعة على طرح برامج فريدة على مستوى الشرق الأوسط في علوم الطيران والاتصال عبر الأقمار الصناعية، وإنشاء فرع لليرموك في دبي بالتعاون مع مجموعة أعمال إماراتية على أن تشرف اليرموك أكاديميا عليها.
ونجحت الجامعة أيضا من خلال المشاركة في مؤتمر رؤساء الجامعات العالمية الذي عقد في جامعة ييل الأمريكية، أن تصبح مركزا إقليميا لترميم وصيانة الإرث الحضاري في المنطقة.
وقد انتخبت جامعة اليرموك عضوا في المجلس التنفيذي لاتحاد جامعات العالم الإسلامي ممثلة برئيسها الدكتور رفعت الفاعوري، حيث تم اختيارها لعضوية المجلس من بين ثلاثمائة جامعة إسلامية للفترة 2017-2019.
نسأل الله أن يأخذ بأيدي قادة اليرموك ومحبيها لتلبية طموحات الجامعة وإعادة الألق إليها؛ لتبقى منارة علمية ترفد الأردن والوطن العربي بالكفاءات كما كانت دائما