منذ أيام بدأت تتساقط أوراق الشجر وبدأ يسرقها الخريف ومعها تهدأ الأرواح و تخلد للسكينة هرباً من ضوضاء الصيف و أصوات الألعاب النارية التي منعتها الحكومة في وسط البلد فقط و يشتريها جيراننا أصحاب الأفراح من البقالات في الأماكن الأخرى .
تخلد الأرواح هرباً من المشاجرات التي أصبحت فوبيا و انتشرت و أنتشر معها السلاح وصوته الرديء و الإصابات التي تتوافد على مستشفى البشير من كل حدب و صوب وكأننا مللنا من عمّان و أردنا أن نرهق صيفها المتخم بالسيارات و الضجيج و نلقي بأثقالنا على كتفها الحنون .
تخلد الأرواح بعيداً عن الأطفال الذين يلعبون الكره فوق سيارتي و يتنافسون في ألعابهم تحت عجلاتها و عن صراخهم الفوضوي و عطلتهم المدرسية التي يقيموا طقوسها على أطراف منزلي بنهارها وليلها .
تخلد الأرواح وقد قاربت عمّان تنهي عرسها الانتخابي و الذي زرع زينته على الإشارات و التقاطعات و صور لمرشحين على إشارة قف و ممنوع الوقوف و أعطي الأولوية و على زجاج منزلي و صورة التصقت في نظارتي التي كلما رفعتها على أرنبة أنفي تدّلت مثل نظارة عجوز عالم في الذرة .
تخلد الأرواح مع نقص تام في محصول البندوره و الفلفل و الزيت و تجار يتحكمون في أسعارها و يرشحون نفسهم للبرلمان مطالبين الحكومة الحد من الغلاء الفاحش .
تخلد الأرواح من ضجيج بائع البيض و بائع الحليب و بائع الخضار وذاك الذي يدخل أزقتنا طالباً شراء كل ما لا يلزمنّا و ذاك الشخص الذي يبيع الأحشاء و قد وضعها في براميل سيئة المنظر وكثيرة الذباب .
تخلد الأرواح هرباً من صيف ثقيل و مدينة تعّج بأهلها و المغتربين الذين اشتاقت أرواحهم لسقف السيل و غرباء قدموا لعمّان بحثاً عن مدرجها الروماني و قلعتها و مآذنها المفعمة بالتاريخ البعيد و مراحل قد تلونت فيها أحجارها المتعبة .
تخلد الأرواح لشتاء جميل و توقيت شتوي يعطينا الدافع للنوم و الهدوء و نهار بارد و كاز وغاز وفاتورة كهرباء و كستنا و جاكيت مخبأ لا يغسل إلا في الصيف و صوت قطرات المطر على شباك سخيف كان لفرط الإحكام يعطي البيت جزء من هبه الله للبشر .
تخلد الأرواح و تسكن تحت لحاف دفيء و أحلام نراها كل ليلة لصيف قادم و ضوضاء أخرى تلوح بالأفق
هشام إبراهيم الأخرس