زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - لا تبدو اتجاهات الشارع الأردني وقواه حاسمة فيما يتعلق بالاعتراض الجماعي على حمى وملف الأسعار بعد ان نجحت نسبياً شفافية الحكومة في تخويف الرأي العام من البدائل المحتملة في حال الامتناع عن اتخاذ ما يسمى بالإجراءات الإصلاحية القاسية.
حكومة الرئيس هاني الملقي وكما يقول رموزها بدت منفتحة على أفكار جديدة وهي تلازم ما بين اجراءاتها القاسية وشكل من اشكال ما يسميه المخضرم عبد الكريم الكباريتي بـ «الريجيم» حيث تخفيض لا يمكن انكاره في نفقات الوزراء ومصاريف المسؤولين مع وعود بالجملة بالحد من ظاهرة الرواتب الكبيرة والمياومات والسفرات المبالغ فيها.
يرفع الرئيس الملقي شعار الانفاق برشاقة وهو يصدر تعميماً تلو الآخر لتقليص النفقات بالتوازي مع رفع الاسعار والضرائب في العديد من القطاعات. ويكشف أحد المصادر المطلعة لـ»القدس العربي» النقاب عن ان رئيس الوزراء اصر على استثناء مواد اساسية يستهلكها المواطن بشكل يومي من اجراءات الرفع رغم ان الحكومة السابقة التزمت مع بعثة صندوق النقد الدولي برفعها.
الحكومة وهي تعلن بكل اللغات رفع أسعار ما يمكن رفعه بفرض ضريبة مبيعات على قوائم جديدة من السلع والخدمات لا تريد الاعتراف ولو بصورة غير مباشرة بأن اجراءاتها قاسية. وبأن رفع نسبة سعر المحروقات انعكس على القيمة الشرائية للدينار ولا تريد الاقرار بان رفع ضريبة المبيعات على مواد الادخال الصناعي للمنتجات الغذائية زاد من كلفة المعيشة حيث زادت اسعار بعض هذه السلع فيما تقلص حجمها في الكثير من المواقع.
تتدخل الحكومة كجهاز رقابي بحدود دنيا في مسألة التسعير بالسوق ويلاحظ نشطاء بان بعض العبوات والمواد تقلص حجمها وثبت سعرها حيث تقلص حجم الرغيف مثلاً في العديد من المخابز وتقلص وزن عبوات المواد الغذائية التي تباع بلا تغليف. وحجة الحكومة في الرقابة المحدودة ترتكز على ان الاعتماد على مبدأ السوق يمنع التدخل الرقابي الكبير وغير المبرر.
لكن هذه الحجة لا تصمد في مواجهة الاعتداء اليومي على حقوق المواطن من قبل التجار ووسطاء التجارة في الوقت الذي يعتبر فيه وزير المالية عمر ملحس بأن قصة إنخفاض الواردات نتيجة الضرائب والمبيعات للخزينة بسبب تقلص النشاط التجاري وحملات مقاطعة الاستهلاك ضعيفة ومتذاكية ومزيفة ولا تصادق عليها الارقام الرسمية.
رغم ذلك يستمر جدل الأسعار كبوصلة أمامية في كل الأوساط والمجالس وان كانت حدة الاعتراض الشعبي قد تقلصت بالمقابل مرة لان الراي العام قلق فعلا من ثنائية الاستقرار والأمن مقابل رفع الأسعار، ومرة لان الجزء الأهم المتحرك شعبياً مثل الإخوان المسلمين يبلغ وزارة الداخلية بين الحين والآخر بانه يتجنب التحشيد في الشارع ولا يريد استغلال ملف رفع الاسعار حرصاً على الصالح العام.
هنا حصرياً لوحظ أن النداءات الحراكية التي طالبت الشارع بالتحرك في الجمعة الماضية كانت رمزية وبائسة من حيث أرقام المعترضين الذين لم يتجاوز عددهم في كل محافظات الممـلكة أكثر من الفي معـترض في اشـارة تـدلل على ان مكونات المجتمع الأردني تحتمل وتصبر وتؤمن بأن الاسـتقرار الامني اهم من كلفة المعيـشة وحتى من اسـعار الطـعام والـخبز.
يدرك أصحاب القرار ذلك ويدرك التيار العريض ممثلاً في الإسلاميين ذلك ايضاً وهو يلفت نظر الحكومة عبر اتصالات جانبية بان المشاركة الرمزية في الاعتراض الشعبي ستكون محدودة وستبتعد عن التحشيد والتحريض على الحكومة وستقتصر على خطابات ومشاركات ذات بعد رمزي قد يكون هدفها الاهم اقناع قواعد التيار أكثر من إجبار الحكومة على تغيير خططها.
رغم ذلك لا يقابل التيار الإسلامي بتقدير حكومي لموقفه المعتدل والراشد حيث يتحدث حزب جبهة العمل الإسلامي مع رئيس الوزراء بلغة مكتوبة عن سلسلة من المضايقات الأمنية تطال رموز الحركة الإسلامية.
في المقابل ما اضعف حراك الشارع بشكله المنظم ليس فقط الخلافات بين الاسلاميين والتيارات اليسارية ولكن ايضاً وقد يكون الأهم تقلص ثقة الناس بطبقة انتهازية من محترفي الحراك والتحريك الذين يمتهنون التحريض في كل الأحوال. وعليه يبدو الشارع الأردني أكثر تفهما وحتى» وداعة» في التعاطي مع حمى الاسعار.
وفي الوقت الذي يمكن فيه القول بأن الشارع يتجه نحو تسليف حكومة الملقي مثل هذا الموقف المتفهم يتوقع في المقابل ان تسترسل السلطة في خطاب له مصداقية يتجه نحو معالجات جوهرية واساسية لأزمة عجز الميزانية عبر تنشيط مشاريع الاستثمار وزيادة النمو الاقتصادي بدلاً من تكريس ثقافة الاعتماد فقط على جيب المواطن.
القدس العربي