زاد الاردن الاخباري -
نوبة الغضب التي اعترت أبو محمد جمّال، وهو يمعن التفكير بمصير أسرته بعد أن يدخل قانون المالكين والمستأجرين حيز التطبيق، جعلته أكثر ميلا للبحث في حلول تصل غرابتها حد الفكاهة.
"كرْنفال" متنقل لا يتعدى سعره الألف دينار، ووحدات إنارة تعمل على بطاريات، فيما يمكن تدبر الماء من أحد المساجد، وقطعة الارض لا داعي لاستئجارها، بما ان "الكرْنفال" متنقل.
هذا المشهد ارتسم في مخيلة ابو محمد عندما هرب بفكره من واقع وصفه بـ"المرير"، والذي سيفرض عليه فور تطبيق القانون.
ويشير جمّال الى ان المستأجر سيصبح، بموجب القانون، ضحية "لا حول لها ولا قوة"، أمام مزاجية المؤجر، الذي منحه القانون صلاحية زيادة الاجرة في نهاية العقد السنوي، مؤكدا ان المؤجر، في الغالب، لن يلتفت الى الوضع المادي للمستأجر، وانه سيرجح الكفة لما فيه مصلحته.
ويعمل جمّال سائقا لسيارة اجرة، ولا يتعدى دخله الشهري الـ 200 دينار؛ لذا فان أي زيادة، مهما كانت طفيفة على اجرة الشقة التي يستأجرها، من شأنها أن "تقسم ظهر البعير"، وستجعله أمام جدولة جديدة للدخل والمصروفات.
ويتحدث الجمّال الذي يقيم في منطقة الرصيفة عن هواجس تطارده ليل نهار، وعن مخاوف من أن يصبح بلا مأوى " في يوم وليلة "، خصوصا وأن المؤجر لن يمهله أكثر من أيام لإخلاء الشقة، وبذلك فإن مصير اسرته سيكون مرتبطا بمزاجية صاحب الشقة.
المؤجر كان ابلغ الجمّال أن الاجرة سترتفع فور انتهاء العقد لتقفز من مبلغ 100 دينار الى 140 دينارا، وهي زيادة يجدها المؤجر متواضعة أمام الزيادة المطردة في الأسعار وغلاء المعيشة.
واللافت أن غالبية المواطنين الذين التقتهم "الغد" ليس لديهم الإلمام الكامل ببنود القانون المعدل لقانون المالكين والمستأجرين رقم 17 لسنة 2009، فالاعتقاد السائد ان عملية زيادة الاجرة تخضع لمزاجية المؤجر، غير أن بنوده، في حقيقة الأمر، حاسمة في هذا الجانب، فقد ذهبت إلى تحديد نسب الزيادة.
ونصت المادة السابعة، الفقرة (ب) من القانون، على أنه ""بالنسبة لعقود الإيجار المبرمة قبل تاريخ 1 كانون الثاني 1975، يضاف إليها بدل إيجار، اعتبارا من تاريخ 1 كانون الثاني 2011، ما نسبته 5 % من بدل الإيجار الأساسي عن كل سنة مضى فيها الإيجار، اعتبارا من تاريخ بدء الإيجار وحتى 31 كانون الأول 2010، إذا كان العقار مؤجرا لغايات السكن، وتصبح هذه النسبة 6 % إذا كان العقار مؤجرا لغايات غير السكن.
وفيما ""يتصل بعقود الإيجار المبرمة خلال المدة الواقعة ما بين 1 كانون الثاني (يناير) 1975 وحتى 31 كانون الأول (ديسمبر) 1990، يضاف إلى بدل الإيجار اعتبارا من 1 كانون الثاني (يناير) 2011 ما نسبته 3 % من بدل الإيجار الأساسي عن كل سنة مضى فيها الإيجار، اعتبارا من تاريخ بدء الإيجار وحتى 31 كانون الأول (ديسمبر) 2010، وذلك إذا كان العقار مؤجرا لغايات السكن، وتصبح هذه النسبة 4 % إذا كان العقار مؤجرا لغير غايات السكن"".
وأما ""بالنسبة لعقود الإيجار المبرمة خلال المدة الواقعة ما بين تاريخ 1 كانون الثاني (يناير) 1991 وحتى 30 آب (اغسطس) 2000، يضاف إلى بدل الإيجار، اعتبارا من تاريخ 1 كانون الثاني (يناير) 2011 ما نسبته 1 % من بدل الإيجار الأساسي عن كل سنة مضى فيها الإيجار، اعتبارا من تاريخ بدء الإيجار وحتى 31 كانون الأول (ديسمبر) 2010، وذلك إذا كان العقار مؤجرا لغايات السكن، وتصبح هذه النسبة 2 % إذا كان العقار مؤجرا لغير غايات السكن"".
بيد أن نقيب المحامين السابق صالح العرموطي، يشير الى ان الزيادات التي اوجدها القانون، ضمن نسب قد ترفع الإيجارات لتصل الى 300 % أي 3 اضعاف الاجرة.
ويؤكد ان القانون بحاجة الى دراسة معمقة واعادة تعديل، تشارك فيه النقابات وغرفة التجارة والفئات الشعبية.
ويلفت الى ان تطبيقه سيلحق الضرر بالمستأجرين، لانه اجاز للمؤجر ان يقيم دعوى مستعجلة في المحكمة المختصة ليحصل على اخلاء خلال 24 ساعة، وان المستأجر إن لم يستأنف القرار، فإن الحكم سيكون قطعيا وسيطرد في الشارع.
ويقول" القانون سيؤدي الى اخلال في الامن الاجتماعي لكل مواطن"، وأن بند الإخلاء فيه ظلم كبير ويحرم المستأجر من حقوق وضمانات اساسية يعطيها له القانون، جازما أنه سوف يولد مشاكل عديدة، سواء على الصعيد الاجتماعي أو الاقتصادي.
ويؤكد ان القانون لم يحل مشكلة بل أجلها ورحلها، وبهذه الطريقة سيحدث خلل كبير يلحق الضرر بالمستأجر.
الى ذلك، يقول المستاجر علي العسلي، إن تطبيق القانون سيخلق المزيد من الفوارق في المجتمع الأردني، وسيهدد الأمن الاقتصادي والاجتماعي.
وبين ان غالبية المتضررين هم شريحة المستأجرين، ومعظمها من الطبقة الوسطى والفقيرة، التي تشكل السواد الاعظم من المجتمع الأردني.
ويصف العسلي القانون بانه مجحف وجاء لخدمة المالكين، وان التعديلات التي ادخلت عليه، تحت قبة البرلمان لم تنقذ المواطنين من مخاوف الطرد من منازلهم.
ويبين ان زيادة الاجرة السنوية اصبحت تخضع لمزاجية المؤجر، من دون الاعتماد على النسبة والتناسب مع دخل الفرد.
العسلي، وهو احد المتضررين من القرار، يجد نفسه امام خيارين، إما الرضى والقبول بالزيادة التي ستطرا على "فيلا" استأجرها في التسعينيات، او انه سيضطر للبحث عن مكان سكن اخر، وبذلك سيكون مضطرا لتتأقلم واسرته مع اوضاع معيشية جديدة، وبيئة مختلفة، وستصبح طبيعة حياته الجديدة مفروضة على افراد اسرته.
ويصف تبعات القانون بانها ستدمر كيان العائلة، لافتا إلى أنه كان الأحرى بالحكومة ان تفرض زيادة محدودة على اصحاب الشقق، كالزيادة التي فرضت على الكهرباء والبنزين، على نحو يتناسب وغلاء المعيشة.
وفي المقابل، يرى إبراهيم عواملة، أن تخوفات المستأجرين وهمية ومبالغ فيها، لأن سوق الشقق المؤجرة سيخضع للعرض والطلب، وأن المؤجر سيضطر الى وضع أجرة تتناسب والمقدرة المالية للأشخاص الباحثين عن شقق، وبما يتناسب وإيجارات السكن في الحي.
ويعتقد العواملة ان القانون جاء لينصف المالكين، الذين ما يزال البعض منهم يتقاضى مبلغ 50 دينارا، وهي أجرة وقفت عند هذا الحد منذ السبعينيات، ولم تواكب ارتفاع قيمة الدينار، الأمر الذي فوت على اصحاب المساكن القديمة فرصة الاستفادة، على نحو عادل من مساكنهم القديمة.
ويطالب بضرورة تشكيل لجان توكل لها مهام تقدير الإيجارات، ومنع تغول المؤجر، وصولا الى ارضاء الطرفين وتحقيق العدالة.
الغد