زاد الاردن الاخباري -
بسام البدارين - استفسر السفير الإيراني في عمان محبتي فردوس بور مرات عدة خلال الأسابيع القليلة الماضية من سياسيين كبار عن الانطباع الذي يمكنه الرهان عليه بعد الاتصالات «غير المعتادة» التي جرت معه لتأمين زيارة قام بها لطهران مؤخراً رئيس مجلس النواب عاطف طراونة.
السفير يبحث عن طريقة لاختراق الحصار السياسي والدبلوماسي المفروض عليه في العاصمة الأردنية بعد اتهام سفارة بلاده سابقاً بمحاولة «التجسس».
سأل السفير سياسيين عديدين يستطيع التحدث معهم من بينهم المخضرم طاهر المصري عما إذا كان يستطيع اعتبار السماح للطراونة بزيارة طهران من مؤشرات «تعديل» في مزاج المملكة الرسمي تجاه بلاده.
طبعا الرجل كان مهتمًا بتأطير هذه الرحلة على أمل إعداد تقرير لبلاده حيث تبين لاحقاً بان طهران أظهرت حفاوة في استقبال طراونة الذي لا يملك صفة رسمية وظيفية فتم تأمين مقابلة خاصة له بدون رفع أعلام بمكتب رئيس الجمهورية الذي حمله شخصياً بدوره تحياته لـ «جلالة الملك عبدالله الثاني».
وجهة نظر المصري كانت أن طهران لا تستطيع اعتبار أن زيارة طراونة لها تعبير مباشر عن «الرغبة الرسمية في التواصل وتنمية العلاقات» لكنها لا تستطيع تجاهل زيارة من هذا النوع بالوقت نفسه لأن الضيف الأردني بكل الأحوال يمثل إحدى السلطات الدستورية الثلاث في المملكة وإن كان لا يعبر عن الحكومة.
المصري أيضـاً وجـد الاستفسـار فرصة مواتيـة للتـذكير بمصـالح بـلاده العليا ملمحاً إلى ان سياسات الـتواطؤ الإيــرانية مع «المجموعات الطائفـية» وتــذكية الصراع الطـائفـي في العـراق وسـوريا ومحـاولات التحـرش والـتدخل بالشـؤون الداخـلية لـدول عربـية عـدة من الأسـباب المنـتجة للارتـياب بالنـسبة للأردن.
ضمنياً رسالة المصري للسفير بور كانت على اساس ان إيران عليها ان تبذل جهداً أكبر لوقف دعم المجموعات التي تحترف اللغة الطائفية، دون ذلك ستبقى متهمة ومريبة بالنسبة للمحيط العربي وإذا كـانت معنـية بعـلاقات جوار طبـيعية وقـائمة على المصـالح ينبغـي ان تـخاطب إجرائيـاً وعمـلياً هذه المساحة التي تقلق الجميع لأنها تساهم بدورها في تبرير وولادة «التطرف» عند مجموعات سـنية.
تم التلميح ايضاً ومن شخصيات سياسية اردنية أخرى إلى أن مشكلة النظام الرسمي العربي أنه لم يعد يعرف من هي الدولة العميقة التي تحكم الأمور وتديرها في إيران حيث يوجد تعدد مرجعيات وآباء والجهات النافذة التي تحكم ليست هي تلك السياسية العلنية في الحكومة الإيرانية.
بهذه القراءة يمكن القول ان الاتصالات المحدودة بين طهران وعمان تسير على «صفيح ساخن» حيث لم تظهر مؤسسة القصر الأردنية حماساً لمقترحات قدمت حديثاً من شخصيات عربية بإقامة جسور الحوار مع إيران بسبب عدم توحد نظرة دول الخليج لآليات وأهداف مثل هذا الحوار.
السفير بور يتحدث عن سعي طهران لعلاقات «طبيعية» ولنبذ الخلافات مع دول عربية مثل مصر والأردن حتى تخف حدة التوتر مع دول الخليج المجاورة. لكن على هامش مأدبة غداء أقامها في منزله لسفراء متنوعين الأسبوع الماضي سمع الرجل وفي منزله كلاماً مباشراً عن ضرورة تقديم طهران لأدلة مقنعة على انها ترسم الفارق بين العلاقات الطبيعية وبين «خطط الهيمنة».
وأنها تتحدث عن «علاقات حسن جوار» لكن ممارساتها في العراق وسوريا ولبنان واليمن تدلل على أن ما يجري ليس «اختراقاً دبلوماسياً مألوفاً ومقبولاً» بقدر ما هو اختراق بقصد النفوذ والتأزيم والاستثمار في الصراع الطائفي.
دوماً وأبداً وطوال الأسابيع الماضية كان الحديث عن إظهار قدر من الانفتاح أردنياً تجاه إيران ملازماً للحديث عن ضرورة توقف الرهان على التضامن المالي والاقتصادي السعودي.
شخصية بارزة وخبيرة من وزن رئيس الوزراء الأسبق عبد الكريم الكباريتي سجل لها وفي مناسبات عدة حسها الوطني الرفيع وهي تؤشر على صعوبة وكلفـة «تجـاهل الدولـة التي تدير الأمور عملياً في أكبر دولتـين جـارتين للأردن» وهمـا سـوريا والـعراق.
وجهة النظر تقول هنا بأن الجهة التي تقف على الطرف الثاني وتتحكم بالمشهد خلف حدود المملكة مع العراق وسوريا اليوم هي إيران سواء أعجب ذلك الأردنيين أم لم يعجبهم، هذا واقع يفرض التحدث مع الإيرانيين والتوقف عن تجاهلهم والخصومة معهم دون المساس باستراتيجيات تمنع الهيمنة.
الحوار «الأردني» الداخل بالعنوان الإيراني يتفاعل بقوة في الأردن وفي الكثير من المساحات النخبوية والقرار السياسي لا زال «يجس النبض» ويتلمس الطريق وسط حالة سياسية وذهنية مغرقة في الـحذر.
القدس العربي