تسعة أيام حتى ساعة الصفر, تسعة أيام تبقت حتى يوم الزفة وانتهاء مراسيم العرس\"الديمقراطي\" تسعة أيام, قررت أن أقضيها لا أرى لا أسمع لا أتكلم, ولكنني لم أستطع. قلت لنفسي, أشهر مضت, وتحملنا الكثير, وبقي تسعة أيام وتنتهي المعاناة, فتحلى بالصبر والصمت. ولكنني لم أستطع.
قلت لنفسي, إعتكف يا ولد, إلزم بيتك, تبضع طعامك كل اسبوع, علك تتجنب القهر والعذاب, ولا تتعرض عنوة للعهر الفكري والسفسطة الشعاراتية النيابية, وربما لحادث سير تتسبب به اليوافط التي تسد عين الشمس وعيون السائقين والمارة عن تلمس الدرب والمصير. ولم أستطع ثانية, لأنني أضطر للخروج يوما بعد يوم من أجل شعار يخصني \" بربع خبز لو سمحت\"
الوطن للجميع, نعم الوطن للجميع, الأردن للكل, كل الأردنيين أردنيون, شعارات حق أريد به باطل. ومن قال غير ذلك؟ ومن قال أن الأردن للستغافوريين أو للمالطيين؟ ومن قال أن الوطن لأردني دون أردني؟ ولماذا تأكيد المؤكد؟ ولماذا وضع البصل بالرز؟
ولماذا بالله عليكم يكتشف مشاريع النواب الكرام اليوم أنهم مضطرون للدفاع عن حقوق الأردنيين وأحقيتهم بوطنهم؟ وضد من يدافعون؟ ولماذا يرفعون شعارات مأكدة بالدستور الأردني أصلا ولا جدال عليها؟
أعتقد جازما أنهم يفعلون هذا لأحد سببين,
أولهما, لأنهم يدركون أن هذه الشعارات قد تستميل بعض أجزاء الشعب الأردني من أصول غرب مائية, وما رئيس جمهورية الوحدات ببعيد عن هؤلاء. وهذه مصيبة.
وثانيهما, أنهم لا يفهمون ما يكتبون أو يكتب باسمهم, وهذه مصيبة أكبر, والطامة الكبرى إن أسعفهم مسعف الى قبة البرلمان.
نواب الوطن أيها السيدات والسادة هم من يتكلمون عن الوطن ويرفعون شعاراته, وليسوا من يدغدغون مشاعر المواطن ويستجدون صوته. وهم من يعون ويدركون المخاطر والمؤامرات التي تحدق به وتهدد كيانه وينبرون للدفاع عنه ورد كيد الطامعين به عنه, وليسوا من يعدون رؤوس الناخبين ويقدرون سعر كل راس ويتفننون بطريقة شرائه. وهم من يكون الوطن لديهم أغلى وأقدس من الكرسي الذي يطمحون بالوصول اليه في العبدلي.
نحن نريد أن نتقاسم الوطن مع وطنيين منتمين, مع من لا يفكرون لحظة في خيار آخر غير الأردن.
اما من يوزع البندوره والمناسف والكنافة والطرود العينية, والناشف, ويشتري الذمم والأصوات, فلا أدري ما صلته بالوطن والأردن غير صلة صاحب البقرة بضرعها. ومن يشتري الأصوات يبيع الوطن.
ومن يتهم الحكومة بنزاهتها وشفافية انتخاباتها, كيف له أن يدافع عن هجومه الشرس بما أوتي من عبقرية مادية وإقناع \"بطوني\" على الناخبين؟ المحصلة واحدة وإن اختلفت الأساليب والعملات المدفوعة.
الوطن الأردني يا مشاريع النواب, ينحشر في رقعة ضيقة جفاف من الموارد الطبيعية, المكتشفة والمستخرجة على الأقل, تبلغ أربعة وتسعين ألف كيلومتر مربع. ولا أدري ان عرفتم جميعكم هذه المعلومة. فهل له أن يستوعب أكثر مما استوعب؟ وصحيح أن ترابه لدينا أغلى من الذهب وكل نفائس الأرض, ولكنه لا يعقل أن نشتري متر الأرض بما يعادل ترابه ذهبا.
كفاكم شعارات ونعيق, وكفاكم افتراء وهذيانا وتنطعا, وكفاكم الترويج المبتذل لسلعكم الرخيصة. كفوا بلاكم وشركم عن الوطن الذي تدعون أنه وطن الجميع, وارحموا المواطن الذي تتستغبونه وتسترخصونه بيعا وشراء واستغلالا لحاجته وعوزه.
حدثني أحدهم عن مشاهدة له في أحد صواوين الإنتخابات قائلا, طلب أحد الحضور من مرشح للنيابة, لمحة عن برنامجه الإنتخابي الذي يطلب صوت الناخب على اساسه, فأشار المرشح الى طاولة عليها وريقات تحمل صوره وبعض ما كتب له من مستحيلات التنفيذ كما الغول والعنقاء والخل الوفي وهو يقول, إقرأ هذه.
بربكم, هل هذا المرشح هو وأمثاله من يحتاجه الأردن والأردنيون الآن؟ وهل هؤلاء هم الذين يستطيعون تمثيل المواطن تحت القبة تشريعا ومراقبة وخدمات؟ وهل هم من يستطيعون رفع شعار, الوطن للجميع؟
على فكرة, وصل الى معلوماتي وبجد, أن أحد بائعي البطاريات, الصغيرة وليست بطاريات السيارات, في الزرقاء قد انظم هو الآخر لأسطول سائقي القلابات والسرفيس ومتعهدي الطمم والإنشاءات المتسابق على المئة وعشرين مقعدا للمجلس النيابي السادس عشر.
أعزائي القراء, وتعلمون مثلي أنه إن توفرت البطاريات, فقد ملكنا الضوء في نهاية النفق.
مسكين أنت أيها الأردني, فإن نفذت من سندان المرشحين وافتراءات شعاراتهم, فكيف لك أن تتجنب مطرقة الحكومة التي تدعي كذبا عرسا ديموقراطيا نزيها شفافا؟ وعظم الله أجركم.
جمال الدويري