صباح ليس كالعادة...فانا مستيقظ بنكهة جديدة لا تعب ولا نعس ولا.... لا ادري فكل المصطلحات تخونني وتتطاير مني كما الرذاذ، الكل في المكان يستيقظ بتثاقل.... إلا أنا اشعر بأني طائر في البيت أراه كله دون عناء والحالة أشبه بالأحلام فلا احد يراني وأنا انتعل الهواء... ما هذا الجسم المدد مكاني وما بال المرأة المتثائبة بجانب فراغي ... لا يعنيها ذلك .. ؟ بل هي تناديني الآن ولا تسمع صراخي (( أنا هنا.. هنا انظري فوق أو انظري إلى أي مكان فانا أتحرك كالبركان داخل غرفة النوم.. ))
ما بال هذه المرأة لا تمل من هز جسد يشبه شيء ما اعرفه، ربما كان يشبهني سابقا... متى سابقا ؟ لا ادري ولكن كان قبل هذا الزمن أحداث يبدو إني عايشتها وكنت حينها أرتدي هذا الجثة التي تملئ مخيلتي .. ربما.
وما هذا الضياع في أجزائي فأنا لا اشعر بها.. وأنا أصبحت بحجم الغرفة وما هذا الصراخ على جثة لا تعنيني الآن بأي شيء فأنا أصبحت أكبر... لا ادري ربما أصغر ولكني لست أنا من تبكون...
ما معنى صراخها بكلمة مات... أنا ميت ؟؟ نعم ... ما هذا ؟ طبيعي أن هناك شخص مات ومن الطبيعي أيضا أن يكون أنا أو ربما أنت أو ربما الحمامة التي وقفت على الشباك تنظر في هلامي، والغريب في الموضوع أن موتي الآن لا يعنيني .
نعم هذه النهاية ..... نعم انه استحقاق جاء دوري الآن فيه.... فهذا جسدي أسلمته للأرض لتفعل به ما تشاء فهو كما علمت تراب بتراب ، حاولت قدر الإمكان أن أسير فيه أطول الأوقات ولكن يبدوا أن الأمر قد انتهى على هذا السرير وتم التسليم الفوري حسب حكمة الخالق ليقوم من بعدي من يسّير هذه الجثة إلى مكان ما تحت منسوب الأقدام ، وبالمناسبة هذه القناع ... الكيان.... الجثة.. الآن لا تعنيني أين ترقد وكيف ينثر فوقها التراب .
نحيب وعويل وأطفال يركضون للغرفة ويصرخون... وامرأة تشد شعرها وتهز جسد قد يكون لي... لا ادري فأنا لا يوجعني موتي ولا يحزنني بكاء الأجساد التي تتكوم على جسد كان قبل لحظات جسدي.
يا من تشتركون الآن معي في غرفة النحيب هذه...... ربما حاولت معكم وحاولت لكم... ربما جازفت أن أسير بكم على شط الأمان ولكن الأمر يبدوا نوعا من الدعابة... فلا أنا املك بدايتي ولا نهايتي ولا أجرؤ على الادعاء بمقدرتي على تكوين ثانية بتفاصيلها بحياتكم ، فنحن الآن نقيضين فأنتم تحملون ما أثقلتكم به من أوجاع وأنا احمل ما تنطحت به وحملت من اجلي وأجلكم الآلام وربما كانت مختلطة بالآثام .. والنتيجة واحدة هي نحيب لكم وربما لي عذاب لولا رحمة الله في إتساع وإتساع .
كم هي قصيرة السنوات التي عشتها قياسا بالزمن الآتي بعد الممات . فالدلائل حولي تثبت أن لا ممات آخر بعد هذا الممات، و ادري لماذا تمسكت بالثواني عندكم قياسا بالخلود في مكان ما بالسموات ...!
لا تعنيني الآن أوراق سميت في أرضكم بالنقود، ولا قيمة الآن لكل المساحات والأحجام والأشكال... في الأصل هذه مصطلحات آنية تنتهي معانيها بامتلاكها وتتلاشى حاجتها حين ندرك إنها قيد التسليم لجثث أخرى ستلحقنا على الطريق يوما ما لتسلمها لما بعدها.. هكذا هي الأمور أفخاخ تسلم لضحايا.... وضحايا يتسابقون على امتلاك الخطايا.
شيئا ما يسحب جديد ما تشكل مني.... فتصغر الصورة أكثر فأكثر وتصبح الرؤيا عندي اكبر واكبر وارى الأرض كمستودع للجثث المتحركة والمدفونة وبلا روح وبلا معنى... قد تكون كرة من طين أو قد تكون شيئا ما يحمل من الآثام ما لم تحمله كل الشياطين.
جرير خلف