زاد الاردن الاخباري -
يعزز الملك عبد الله الثاني وبصورة واضحة التجربة الجديدة الذي بدأ يهندسها جينيا الدكتور عمر الرزاز في حقيبة التعليم عبر إصداره الورقة النقاشية السابعة حول ذات الموضوع وبالتزامن مع دخول نظام المركز الوطني لتطوير المناهج حيز التنفيذ.
طبعا يتم ذلك بالتزامن مع الجدل الواسع الذي بدأه الرزاز بذكاء تحت عنوان إلغاء الرسوب في الثانوية العامة، وفتح الفرص أمام جميع الطلبة لإعادة الامتحانات، ما جعله يكسب ودّ معظم الشارع الذي كان منقلبا قبل دخول الرزاز للحكومة على كل الافكار المتعلقة بتغيير المناهج وتعديلها.
الملك عبد الله يمنح الرزاز بالورقة النقاشية الضوء الأخضر للمضي بالمزيد من الإصلاحات في العملية التعليمية، على ما بدا الأمر عليه.
بالنسبة للرزاز منذ استلم الرجل منصبه وحين كان الشارع يرى فيه رجل اقتصاد، قد يكون بعيدا عن التعليم، متجاهلين أنه أول من وضع استراتيجية كاملة قبل نحول 6 سنوات لما أسماه في حينه “مجلس تطوير الموارد البشرية”، وهي الاستراتيجية التي بدأت اليوم بالتنفيذ وعززها عاهل الأردن في ورقته الأخيرة.
الدكتور الرزاز والذي يحمل فكراً مستنيرا ومتقدما جدا، هو رجل القصر بامتياز، ومعروف أنه عمل أثناء فترة إدارته لصندوق الملك عبد الله بالقرب من كل المؤسسات المسؤولة عن التعليم وتنمية الموارد، وكان الاكثر اطلاعا على الملف المذكور، الامر الذي تحدث عنه مرة مع “رأي اليوم” قبل حمله حقيبة التعليم باعتبار التعليم الاساس في كل شيء، وان امله لا يزال قائما على إصلاحه وإصلاح الالية التي تربطه بسوق العمل وتحديد التخصصات.
عودة للورقة النقاشية، التي بدت شرحاً تفصيلياً- ولأوّل مرة- لما بدأ الشارع يلمس إرهاصاته، بدلا من كونها دليلا لعملية مرتجاة كالاوراق النقاشية الست السابقة والتي حملت الكثير من الامال والطموحات بخصوص الديمقراطية وسيادة القانون وغيرها من قيم لم يلمسها الشارع الأردني حتى اللحظة.
وتحدث الملك عن كون التعليم يواجه الكثير من التحديات موعزا بالتوقف عن زجّه بالمناكفات والمصالح السياسية، معتبرا ان اهم ما يمكن ان يحصل اليوم هو مواكبة تحديات العصر بأدواته المعرفية الجديدة، مستبشرا في النقاش الذي وصفه بالجاد الدائر حول العملية التعليمية، معتبرا ان التوصيات التي قدمتها لجنة الموارد البشرية العام الماضي هي خارطة الطريق للتطوير.
وبدا حديث الملك عن المناكفات السياسية معطوفا على الجدل الاخير حول التعديلات السطحية التي تمت على المناهج والتي اعتبرت منافية للدين والتي انتقدها خبراء التعليم، إلى جانب الاحزاب السياسية وعلى رأسها الاخوان المسلمون.
وكانت الملكة رانيا قد قامت بإلقاء خطاب ناقدٍ جدا في حفل إطلاق الاستراتيجية المذكورة قبل اكثر من 6 أشهر للعملية التعليمية الأردنية، الأمر الذي ظهرت في سياقه الورقة النقاشية كجهد تكميلي لما سبقه، خصوصا وهي تتحدث عن فكرة التعليم المبدع والاستثمار في الطاقات البشرية.
وطالب ملك الأردن بتكاتف “جهود الجميع، شعبا وحكومة ومؤسسات خاصة وعامة، لتوفير البيئة الحاضنة، وتأمين الاحتياجات الضرورية من أجل بناء القدرات البشرية من خلال منظومة تعليمية سليمة وناجعة، تؤتي أُكُلها كل حين بجهد أبناء وبنات الوطن، على اختلاف مشاربهم ومسالكهم في الحياة.”
وزاد الملك ” على المؤسسات التعليمية أن تؤمن بما يتمتع به أبناء هذا الشعب وبناته من طاقات هائلة، وقدرات كبيرة، ومواهب متنوعة، وتسعى لاكتشاف هذه الطاقات، وتنمية تلك القدرات، وصقل تلك المواهب، وتحفيزها إلى أقصى حدودها، عبر أحدث الأساليب التعليمية التي تشجع على الفهم والتفكير، والفهم لا التلقين، وتجمع بين العلم والعمل، والنظرية والتطبيق، والتحليل والتخطيط، وتفتح آفاقا رحبة أمام أبنائها، ليتفوقوا في كل مادة، وينبغوا في كل فن أومهنة أوحرفة”، معتبرا انه لم يعد من المقبول، بأي حال من الأحوال، أن نسمح للتردد والخوف من التطوير ومواكبة التحديث والتطور في العلوم، أن يهدر ما نملك من طاقات بشرية هائلة.
وبدا حديث الملك عن تعزيز الفكر النقدي والأدوات الحديثة في التعليم بمثابة رد على الاشكالات المطروحة حول المناهج كلها، خصوصا تلك التي تحمل الكثير من التلقين في طياتها، الأمر الذي يمكن قراءته على اساس انه ثورة في عالم التعليم ان تم اتباعه وفقا لما ورد في الورقة التعليمية من جهة ووفقا لما ورد في توصيات لجنة الموارد البشرية، إلا أن التخوف يبقى حتى اللحظة من أن يكون مكان الورقة النقاشية السابعة إلى جانب شقيقاتها على الرفوف في المؤسسات الرسمية فقط.
التخوف شديد من تشويه الرؤى التعليمية التي بدأت تتبلور مؤخرا، وخصوصا وقد تراكم شعور عميق بعدم كفاءة الكثير من المؤسسات لتنفيذ رؤى الملك. الأمل الوحيد حتى اللحظة أن الدكتور الرزاز واحد من رجال الدولة القلائل الذين عليهم اجماع في الفكر المستنير والنزاهة معا، وان الاخير بدأ يتخذ عمليا سلسلة من القرارات التي قد لا تكون مجدية إن وقفت عند الحد الذي وصلت إليه.
رأي اليوم