تصنف تلك الفرحة الشعبية العارمة التي أعقبت صدور الإرادة الملكية السامية بحل المجلس النيابي السابق الغير مأسوف علية , تحت باب السخرية السوداء المؤلمة , فقد كانت اكبر دليل على أن ذلك المجلس لم يكن يمثل الشعب تمثيلا حقيقيا بل كان عاله على الوطن جميعه , وكان تجربة صعبة ووصمه عار في جبين الديمقراطية الأردنية لن تنمحي أثارها بسهولة , بسبب أزمة الثقة التي حصلت عند الكثير من المواطنين بسبب الشبهات و الفساد الذي شابها, وجعلتهم يتساءلون عن جدوى مشاركتهم في إنتخابات سيكون مصيرها التزوير؟؟؟؟ , وهل هم مجرد كومبارسات تشترك في هذه المسرحية الانتخابية ؟؟؟, فمن الطبيعي أن يكون مثل هذا الخوف مشروع , في ظل( قانون الصوت الواحد) مضافا إليه (الدائرة الوهمية ) المستحدثة التي لم يقتنع احد بغايتها وجدوها ,.
الإخوة القراء المحترمين وكما تعرفون , فكل هذا الذي يحدث في مجتمعنا الأردني الطيب , سببه هذا القانون الظالم وتأثيراته الواضحة للجميع ,والشعار (انتخبوني وإلا فقدتموني) الذي استخدمته كعنوان لمقالتي هذه , مقتبس من بيان انتخابي لأحد المرشحين الحاليين للمجلس النيابي القادم , يشكو فيه من ظلم ذوي القربى ويعاتبهم على عدم مؤازرتهم له في حملته الانتخابية , متهما بعض منافسيه من نفس العشيرة بممارسة الإساءة إليه والتخريب المتعمد ضد مظاهر وأدوات حملته الانتخابية, معتبرا نفسه ,انه أفضل من يمثلهم لما يحمله من مؤهلات وخبرات وقدرات .
و يأتي ما ذكره هذا المرشح أعلاه في بيانه الانتخابي , متماهيا ومنسجما مع الحالة التي يشهدها مجتمعنا هذه الأيام,و التي تتصاعد فيها الحمى الانتخابية ,والهوس الجماعي و التحشيد العشائري داخل العشائر والعائلات وضد بعضها البعض , بل لقد وصلت هذه الهستيريا الانتخابية المستعرة بين المرشحين المتنافسين من نفس العشيرة الواحدة والعائلة الواحدة وخاصة بين الإخوة الأشقاء و أبناء العمومة والأقارب المتنافسين على الزعامة إلى مرحلة كسر العظم , لا استثني من ذلك حتى كبار المتعلمين والمثقفين, بل أن بعضهم يستخدم ثقافته وعلمه وذكائه , لخدمه هذا السياق العشائري العام .
أما نحن بقية المواطنين من أبناء العشائر والعائلات الأخرى التي ليس لها مرشحون والحمد لله , لا نستطيع و للأسف الشديد إيقاف ذلك التشاحن والبغضاء والعداوة ومعارك كسر العظم أو الحيلولة دونها, ولا نمتلك غير أن ندعو الله سبحانه وتعالى آن يجنب أهلنا وإخواننا وجيراننا في العشائر والعائلات الأخرى التي لديها مرشحين , سواء اختارتهم أو فرضوا أنفسهم عليها , وفي كافة المدن والقرى والأرياف والبوادي الأردنية , كل مكروه , خلال هذه الأيام الانتخابية العصيبة , وما بعد ظهور النتائج , وأن تنتهي هذه العملية على خير وسلام ووئام .
ونحن أيضا كمواطنين محايدين في هذا الصراع المحتدم, قادرين على خلق التوازن و إنجاح المرشحين المناسبين من حيث الكفاءة والمقدرة ,و الصالحين لخدمه المصلحة العامة,و بعيدا عن الشعارات والبرامج الانتخابية للمرشحين , التي ألفناها وتعودنا عليها ونحفظها عن ظهر قلب , (من كثر) ما تكررت على مسامعنا خلال الدورات السابقة , والتي عادة ما تكتب من قبل المرشحين أنفسهم وربما كتبت لهم من قبل آخرين وأحيانا يكتبها الخطاطين أنفسهم بشكل ارتجالي, والتي ربما يكون حتى أصحابها لا يؤمنون بما يطرحونه من خلالها , حيث أن الشعارات والبرامج الانتخابية تكون مجديه وجدية عندما تطرحها أحزاب وجماعات تتداول السلطة وتتناوب عليها في بلادها , أما المرشح الفرد حتى وإن كان صادقا ومؤمنا ومقتنعا بما يطرح , لا يستطيع لوحدة أن يفعل شيئا .
وحتى لا تخدعنا الصور المبتسمة والشعارات الانتخابية البراقة وحتى لا تتكرر المأساة ويعود الكثير من النواب المنحلين من أصحاب المصالح الخاصة والفاسدين الذين دخلوا إلى البرلمان السابق خلسة عن طريق الرشوة والفساد والمال الانتخابي فالمجرب لا يجرب ,( ماعدا الذين اثبتوا حضورا وكفاءة وإخلاص , وكانوا على قدر المسؤولية في غيرتهم على الوطن ومصالحه ),(أرى أن المشاركة في الانتخاب أفضل من عدمها ), حتى في ظل (وجود الصوت الواحد والدائرة الوهمية) , حيث أن الإقبال الشديد على المشاركة بالانتخابات هو دليل على الوعي وإرادة التغيير وعدم ترك الساحة فارغة للعابثين , وتساهم المشاركة أيضا في تصعيب وإرباك مهمة حتى للذين توسوس لهم نفوسهم الإمارة بالسوء في محاولة تزوير الانتخابات, نعم , يستطيع المواطن الواعي المثقف ,من خلال هذا العدد الكبير من المرشحين , أن يختار له نائبا يصوت له أو أن( يستصلح له واحد) حسب رأي الكاتب الأردني المعروف الأستاذ احمد أبو خليل.
فإذا كنا صادقين النية في إحداث التغيير الحقيقي المنشود لمجتمعنا ومستقبل أجيالنا القادمة ,وبعد أن مررنا بتجربة كافية وعانينا جميعا بما يكفي من تصرفات وممارسات بعض النواب السابقين ,التي انعكست على ثقافة وسلوكيات المجتمع جميعه وكانت السبب المباشر في انتشار ظاهرة العنف واستشراء الفساد ,وفي تأصيل مفاهيم الرشوة و المحسوبية والواسطة والشللية و العصبية القبلية والجهوية والمناطقية والإقليمية , علينا أن نراعي في اختيار المرشح الذي ننوي ائتمانه على تمثيلنا في الرقابة والتشريع ونمنحه ثقتنا ,في أن يكون نائب وطن , مؤتمن, صاحب ضمير حي ولاؤه الأول والأخير للوطن( الأردن) , مؤمن بقضايا أمته العربية, وان يعرف انه مسئول أمام الله عن من انتخبوه وان يغلب مصلحة البلد العليا على المصلحة الخاصة أو الشخصية وليس نائب خدمات فقط ,وان يكون تاريخه نظيف وسمعته و سيرته طيبة وحسنة, يؤمن بالديمقراطية بشكل عام بعيدا عن التعصب الديني أو السياسي أو العرقي أو الجنسي, وأن يكون ( مثقف ) ثقافة عالية ، وصاحب خبرة وعلم, قادرا على ممارسة دورة في الرقابة والتشريع, كما اقترح وكنوع من التغيير اختيار المرشحين الجدد أي الذين يتقدمون لأول مرة, والابتعاد عن المرشح الذي كان كثير الغياب عن الجلسات عندما كان نائبا وغير مهتم , وكان غير متفاعل في المجلس وليس له رأي .
متمنيين على الله سبحانه وتعالى أن يمكننا من انتخاب من هم الأفضل والأصلح وخيرة الخيرة من الرجال الحكماء الأوفياء الأتقياء الصادقين ليكونوا ممثلين حقيقيين لنا في مجلس النواب القادم ليمارسوا دورهم الوطني الحقيقي في الرقابة والتشريع , وان يبعد عنا المغامرين والباحثين عن الشهرة خاصة من أصحاب الدعوات الضيقة التي تمس الوحدة الوطنية , وان يقي هذا الوطن الغالي من كل مكروه وان يديم علية عزة وأمنه واستقلاله وان تبقى رايته خفاقة مرفوعة عاليا في ظل صاحب الجلالة الملك المفدى ....آمين
طلب عبد الجليل الجالودي
talabj@yahoo.com