قلنا فيما سبق ، أن الإرهاب لا يقتصر مفهومه على حزام ناسف أو معتوه يفجر نفسه وسط حشد من الناس ، وأن للإرهاب عدة صور وأشكال ، منها ما تقترفه الحكومات بحق مواطنيها ، من خلال سياساتها الاقتصادية المجحفة وتقصيرها بتقديم الخدمات الأساسية للمواطنين وكبت الحريات وتكميم الأفواه ، ومنها ما يقترفه الناس بحق أنفسهم ومجتمعاتهم ومؤسساتهم ، ولا يمكن تفسير العنف الجامعي الذي امتدت آثاره إلى المدارس والعنف المجتمعي بشكل عام ، إلا ملحقا للإرهاب بمفهومه الواسع .
إن العنف بمفهومه المطلق ، هو السلوك غير المقبول اجتماعيا والذي يلحق الضرر بِ منظومة التماسك الاجتماعي لأي مجتمع ، ولقد عانت جامعاتنا من عنف طلابها فيما بينهم ، واستخدامهم معظم أنواع الأسلحة والعصي والهراوات داخل الحرم الجامعي ، مما كان يؤدي إلى زعزعة أمن الطلاب والطالبات في الجامعات ، وزعزعة الثقة بِ ألإدارات ومستوى التعليم فيها ، وهو الأمر الذي كان يستدعي تدخل قوات الأمن لفض النزاعات ، بعد أن كانت منارات علم نعتز بها ك أردنيين ، ويعتز بها العرب من خلال إيفاد أبنائهم للدراسة فيها ، ومنذ سنوات قليلة مضت ، امتد عنف الجامعات ليصل إلى مدارسنا ، فلا نسمع ولا نقرأ من أخبارنا المحلية إلا ما يندى له الجبين ، لتتسع دائرة اعتداء طالب على معلمه ، إلى اعتداء طالب وذويه على مدرسة وطاقم هيئتها التدريسية ، ناهيك عن تزايد العنف المجتمعي بشكل عام ، وانتشار قتل الأب لأبنه وابنته ، وقتل الابن لأبيه وأمه ، والأخ لأخيه وأخته والصديق لصديقه ، ورغم كل هذه الأشكال من العنف الممارس يوميا ، والذي لا بد وأن يفتت المجتمع إلى أشلاء يصعب لملمته وتماسكه فيما بعد ، نجد أن حكوماتنا المتعاقبة ، تتساهل في وضع حد لهذا العنف المتنامي بوتيرة كبيرة ، ولا تتعامل معه على أنه وباء لا يقل خطورة عن خطورة أفعال الدواعش ، وتُصر كل الحكومات أن تبقى إزاء ذلك صماء بكماء عمياء ، وكأن الأمر لا يعنيها ، بل وكأنها راضية تمام الرضا عما يجري ، ليبقى الناس منشغلون عنها وعن سياساتها تجاه الوطن وأبناءه .
إن القانون وبسط سيادته في أي بلد في العالم ، هو الملاذ الآمن لأي فرد أو مؤسسة أو مجتمع ، ومن دون تطبيق القانون والعدالة على الجميع بلا استثناء ، فإنه وبنظرة سريعة على واقع الحال ، سنجد تفسخا اجتماعيا لم نعهده من قبل ، وذلك بعد تزايد انتشار الجريمة داخل الأسرة الواحدة بحجج وذرائع واهية ، وداخل مؤسساتنا التعليمية التي من المفترض أن تخرجّ لنا أفواجا من العلماء والمثقفين والقادة , ولكن الإصرار على اعتماد الحلول العشائرية من خلال العطوات والجاهات والمحسوبيات ، وإلقاء الخطابات فيها وتبادل عبارات المجاملة والنفاق ومظاهر الرياء ، وإسقاط الحق الشخصي ثم الحق العام ، يجعل اقتراف الجريمة بشكلها العام ، والاعتداء على مدرسة ومعلم ، وإثارة الشغب والنعرات العشائرية في الجامعات ، أسهل واخف وقعا من قتل ذبابة ، ومن حق كل مواطن غيور على وطنه ومجتمعه ، أن يطالب بتنحي العشائرية وبسط هيبة الدولة ، وسن القوانين وتغليظها وتفعيلها ، بحق كل من تسول له نفسه العبث بأمن الجامعات وطلابها ، وأمن المدارس ومعلميها ، واعتبار كل فرد من هؤلاء العابثين مشروع مجرم ، يجب على الدولة محاسبته ومعاقبته ، بل ومحاسبة كل من يتدخل لإنهاء المشكلة عن طريق الجاهة والعطوة وفنجان القهوة ...