نمر عليهم كل يوم… تعودنا علي رؤيتهم بملابسهم الرثة
الممزقة التي لا تحمي من برد ولا حر ولا مطر وأجسادهم النحيلة
جوعا وبؤسا وعيونهم الزائغة بحثا عن الأمان المفقود وخوفا
ورعبا من مستقبل مظلم مرعب قد نرى البعض منهم يبحث عن بقايا
طعام فاسد كحياته الفاسدة في صناديق القمامة أو مستغرقا في نومه علي
الرصيف.. نتأفف منهم ومن إلحاحهم.. أو نعضّ شفاهنا شفقة عليهم ثم نمضي ونعود إلي منازلنا نأكل ونحتضن أبناءنا نسمع نشرات الأخبار.. نقرأ الصحف.. نشاهد برامج التليفزيون.. أحاديث لا تنتهي عن مؤتمرات حماية
أطفال الشوارع ورعاية الأطفال بلا مأوي.. أخبار الجمعيات
والوزارات والمؤسسات التي تعنى بالأمومة والطفولة وشعارات ‘لا
للعنف ضد الأطفال’ ثم ننام في دفء وأمان لنري نفس المشاهد
في اليوم التالي.
أفزعتنا حقا تفاصيل حادثة اغتصاب وتعذيب أطفال وانزعجنا
من قسوتها ولكن ماذا كنا نتوقع من أطفال يعيشون في
الشارع حياة شاذة يأكلون من صناديق القمامة وينامون متلاصقين
في الجحور والأوكار تحت الأرض مثل الحشرات دون غطاء يبحثون عن
لحظة دفء مفقود بالتحام الأجساد وتلاصقها بنات وأولادا يحكمهم قانون
الغاب.. فكل منهم إما أن يأكل وإما أن يؤكل..
ماذا لو تصور أي منا ولو للحظات ابنه أو ابنته في هذا
الوضع؟.. نبادر بسرعة ونقول: لا قدر الله بعد الشر..فماذا
إذن لو علمنا أن هؤلاء الجناة الذين كانوا ضحايا استدرجوا
بعض ضحاياهم من التائهين وارتكبوا جرائمهم البشعة معهم
وأن معظمهم اضطر لحياة الشارع بسبب الفقر أو التفكك الأسري أو وفاة الوالدين ليخضع لقانون الغاب ثم يدمن حياة الشارع والإدمان
والشذوذ والفوضي..
لو أن كلا منا تخيل أبناءه في هذا الوضع لما مر عليهم مرور
الكرام ولحاول إنقاذهم بكل ما أوتي من قوة!! والسؤال
العملي والمنطقي هو: كيف.. كيف ننقذهم ؟؟ نسمع كلاما
جميلا معسولا ونري واقعا بشعا ومرا نعجز عن التعامل معه؟!
كيف ننقذ هؤلاء من الاستغلال ؟ كيف نبعد ضعاف النفوس عن
استغلال براءة الاطفال في سلوكيات بشعة ؟؟