بقلم : هشام ابراهيم الاخرس
تجار من كل الأصقاع و أيمان غليظة و خردوات و ملابس مهترئة و أشياء لا تلزم و وجوه أتعبها الزمن , متشابهة ، لون واحد و شعر غير مصفف و لحى مهملة و أسنان صفراء و سيجارة محلية الصنع وزعت الإصفرار على السبابة و الوسطى .
كل يوم جمعة أشاهد نفس الأشخاص و نفس الزبائن و الغريب أني أشاهد نفس الخردوات و البضائع ، لا شيئ يتغير و لا ارى سوى جمود الروح في المكان .
سوق للكلاب و سوق للحمام و سوق للخردوات و العطورات و الخضار و الباله و الهواتف النقالة و اللحوم و الدجاج والأسماك .
لسقف السيل ( قلب ) و يسمى الجورة و هي قطعة أرض فارغة تمتلكها وزارة الأوقاف و هي في أيام الأمن كراج سيارات و عند مغادرته تصبح سوق سوداء للأثاث و الموكيت المستعمل و اقراص مدمجة لأفلام رديئة .
و لسقف السيل ( رئتين ) أحداهما شارع الطلياني و ثانيهما شارع طلال و لكل شارع حكاية لا تنتهي و فصول قصة عمانية مورثة منذ أن قام الملك المؤسس طيب الله ثراه بالصلاة في ساحة الجامع الحسيني في جمعة عمانية قديمة .
يأسر قلبي هناك منظر البسطات التي تحوي الخردوات و ما جادت به حاويات عبدون ، حيث من السهل أن تشاهد : نصف شريط لأم كلثوم و أصبع أحمر شفاه مستعمل و زجاجة عطر فارغة و براغي متنوعة و قرص صلب لكمبيوتر قديم و علب مخلل فارغة ، و قطع غيار سيارات و أسلاك و قطع مواسير .
يأسرني هذا المنظر و أستغرب من تزاحم الناس على تلك البسطة و أستغرب كيف تقّلب سيدة عبدونية بكامل زينتها الأشياء و تتلهف علها تجد ما فقدته منذ زمن .
ما يزعجني هي تلك الرائحة المنبعثة من فتحات تركتها أمانة عمان في سقف السيل و وزعتها في وسط البلد لتقول للمارين هنا أن في عمان روائح للماضي المعتق .
سقف السيل يتوسد خاصرة عمان و تحنو عليه تلالها و يختصر الحب بين الإشرافية و جبل عمان و يوزع الناس للشرق و الغرب و على أهدابه يخط الناس صباحهم المشرق بالأمل و رائحة تصنع في مخيلاتهم حياة .
يمتد مثل أفعى تتلوى و يتباهى بأحجار مبانيه المصفرة و قارمات إعلانية قديمة و أعمدة تجعدت أطرافها و أسلاك هاتف و كهرباء تعرض للناس طائرات ورقية كانت قد التصقت هناك و لم تبرح مكانها منذ زمن .
كم أعشق تفاصيل عمّان وحواريها وسقف سيلها وتلالها المغطاة بالأسمنت و الزجاج و الوان بيوتها المزركشة بفعل السنون الغابرات .