ما أن لامَسَته أصابعي حتى انطلق يبثـّّني لواعِجَ قلبِهِ ويشكو لي أنّاتِ صدرهِ ولهيبَ اشتياقه ، ويتحدّث بلهفةِ العاشق ِالولهان ِالفاقدِ لحبيبه ، ويُصوّرُ لي كم كانت جميلةً وناعمةً تلك المحبوبةُ البيضاءُ الرّقيقةُ ، وكم كانت بالمقابل قاسيةً وغادرةً وهاجرة.
تركته يُلقي إليّ بكلّ أوجاعهِ ، وأنا في أعماقي أعرف مدى صِدْقهِ وحجمَ جَرحهِ ، وكم كان يتعذّب ..
حدّثني عن غدرِها وغُرورِها ، وكان يُناديها ويقول : ( حبيبتي لم تركتني ؟؟ لم لا تعودين إلى من يعرفكِ ويقدّركِ ؟ إلى من كنتِ وإيّاه تسطرانِ أجمل قصص الأميراتِ وحكايا الحبّ وبطولاتِ الفرسان وتاريخ ِالأمم ، وذكرياتٍ ومذكّرات ؟؟ )
لماذا تركتِ تسطيرَ اللآلئ وتنكّرتِ لفارسكِ العاشق ِفاستسلمتِ لعدوى عمليّاتِ التّجميل واستبدلتِ بياضكِ الناصعِ بإطارِ شاشةٍ ، وحبيبَكِ الهُمام بأزرارِ لوحةِ مفاتيح وفأرةٍ .. مجرّد فأرة !!
( ورقتي الحبيبة )، أنا تاريخكِ وماضيكِ ، ومن لا ماض ٍ له لا حاضر ولا مستقبل أمامه ، ويوم أهملتِ قلمكِ العاشق واعتبرتني حبيباً عفا عليه الدّهر ، خَفُتَ مجدكِ وبهاؤكِ واضطررتِ أن تتغيري وتتحوّري لترضي عُشاقاً آخرين ، أشخاصاً لم يعودوا يألفونَ الكتابة ولا يعرفون جمالَ خط الثُّلُث أو زخرفة الخطّ الدّيواني أو سلاسة خطّ النّسخ ، معتادين للكسل ، مستسهلين ضرب المفاتيحَ على تعلّم أحرف لغتهم ، حتى لو اضطرّ أحدهم للكتابة بالقلم ، جاء خطه كخطّ طبيبٍ على وصفةٍ طبيّة ، لا يُقرأ ولا يتفسّر !!
ولكن تأكّدي ، مادام رسولنا الكريم قد قال : ( الخيرُ فيّ وفي أمّتي إلى يوم القيامة ) فسيبقى هناك مَن يقرأ ويكتب ، مَن يقرأ ماضينا ويتحسّـر على ضياعهِ ، وسيظلّ هناك مثقفون يقرؤون ويبحثون بين الكتب ، ولن تغنيهم التكنولوجيا عن ملمس ورقاتِ كتاب ، سيبقى وفاؤهم للكلمةِ المكتوبةِ التي صنعت التاريخ والتي دوّنت مكارمَ الأخلاقِ . وكما قال الشاعرُ محبوبتي : \" ما الحبّ إلا للحبيبِ الأوّل ِ\" . وسلمتِ لحبيبكِ القلم.
nasamat_n@yahoo.com