تعتبر ظاهرة العنف غريبة على جامعاتنا الأردنية حيث لم تعهد الجامعات تحول خلاف بين طالبين إلى مشاجرة ذات أبعاد عشائرية ومناطقية يشارك فيها العشرات كما يحدث حالياً، ولم تكن المشاجرات حدثاً عادياً كما هو الحال عليه الآن، كما لم يكن الخلاف بين طالبين يستدعي جلب أبناء الحي والحارة والقرية للدعم والإسناد، إضافة إلى استنفار الأجهزة الأمنية ومحاصرة الجامعة منعاً لأي تفاقمات محتملة للمشاجرة.
وكان المجلس الاقتصادي الاجتماعي قد أصدر وثيقة غاية في الأهمية قبل عدة أسابيع تحت عنوان "سيادة القانون: أمن المواطن وأمن الوطن" تطرق فيها إلى العنف الجامعي حيث ذكر ما نصه "ومما يبعث على القلق أن المدارس، والجامعات بدرجة أكبر، أصبحت ساحات مواجهة اعتيادية بين الطلبة، فبدل أن تتسم علاقة الطلبة فيما بينهم بسمات الزمالة وروحية المنافسة الأكاديمية والتحصيل العلمي، تخيم عليها الهويات الفرعية".
لن أتطرق في هذا المقال إلى الأسباب الرئيسية أو المباشرة لهذه الظاهرة، ولن أتحدث حول سبل علاجها أو الآليات المطلوب اتخاذها لاسئصال هذه الظاهرة من جذورها، سأكتفي هنا بالحديث حول آلية تعاطي الجهات الرسمية من إدارات جامعات ومجلس تعليم عال مع ملف العنف الجامعي، وستكون مشاجرة جامعة اليرموك وامتدادها إلى جامعة إربد الأهلية وكلية الحصن نموذجاً لهذه الآلية.
بدأت مشاجرة اليرموك يوم الثلاثاء (26/10/2010) وتجددت يوم الخميس حيث قام بعض أعضاء الحرس الجامعي بالانحياز لأحد الأطراف عن طريق تسهيل دخول مجموعة من الشباب من خارج الجامعة – بحسب رواية بعض الطلبة – ما أدى إلى ترجيح كفة هذا الطرف وخلق حالة من الاحتقان لدى الطرف الآخر تمثلت بحشده لكافة طاقاته لرد الاعتبار يوم الأحد، فجال طلبة الطرف المحتقن في الحرم الجامعي وهم ملثمون ويهتفون ويتوعدون وقاموا بإلحاق الأضرار بعدد من المرافق الجامعية، لتمتد تبعات المشاجرة إلى جامعة إربد الأهلية وكلية الحصن.
لقد اعتادت إدارات الجامعات ومجلس التعليم العالي التعامل باستخفاف مع ظاهرة العنف الجامعي، ففي كل مشاجرة تقع في إحدى الجامعات لم يكن يُسمع أي صوت لمجلس التعليم العالي سواء كتعليق أو تصريح صحافي أو إجراء عملي، فيما كانت إدارات الجامعات تتعامل مع هذه المشاجرات على قاعدة محاولة التهوين من حجمها أو إنكار وقوعها أو اعتبارها حدثت خارج أسوار الجامعة.
في أحداث اليرموك لم يكن الأمر يختلف كثيراً، مع فارق أن المشكلة امتدت لعدد من الجامعات وحظيت بتغطية إعلامية كبيرة، وتالياً كيفية تعامل إدارة جامعة اليرموك ومجلس التعليم العالي مع هذه المشكلة:
1 - قام عميد شؤون الطلبة في جامعة اليرموك مساء يوم الخميس بإنكار وجود أي مشاجرة داخل الحرم الجامعي وذلك في تصريح أدلى به لإحدى وسائل الإعلام، علماً بأن المشاجرة كانت في أوجها ذلك اليوم.
2 - استمر مسلسل الإنكار، فصرح رئيس جامعة اليرموك صباح يوم الأحد بعدم وجود أي مشاجرة داخل الحرم الجامعي.
3 - عاد رئيس الجامعة بعد ساعات ليتراجع عن تصريحاته مؤكداً أن إدارة الجامعة تتعامل مع المشكلة وأن هنالك "أضراراً محدودة" وقعت لبعض مرافق الجامعة.
4 - صرح وزير التعليم العالي ورئيس مجلس التعليم العالي لإحدى المواقع الإلكترونية صباح يوم الأحد بأن لا علم له بوجود مشاجرة في جامعة اليرموك، مؤكداً أن الوزارة ومجلس التعليم العالي لا شأن لهما بالمشاجرات التي تقع داخل الحرم الجامعي، ليصرح لنفس الموقع بعد أقل من ساعة بأنه على اتصال برئيس مجلس أمناء الجامعة وأن الطلبة المخالفين ستتخذ بحقهم العقوبات المناسبة.
5 - الأمر الأكثر غرابة هو قيام رئيس جامعة اليرموك بلقاء وفد من الطلبة، الذين جابوا كلية الاقتصاد وهم ملثمون، والتحاور معهم في مطالبهم!
لن أعلق على ما ذكرته أعلاه، فالأمر أخطر من أن يتم التعليق عليه، ولكن يجب التأكيد على أن الوطن لا يبنى "بدفن الرأس في الرمال"، وإذا لم يقرأ المعنيّون أحداث جامعة اليرموك بشكل عميق، فإن القادم أخطر على جامعاتنا وطلبتنا.
* منسق حملة "ذبحتونا"
فاخر دعاس